أفعال الصوفية.. ما حكم الطواف بالقبور؟
دائمًا تثير أفعال المتصوفة الغضب في نفوس التيار السلفي، وبعض علماء الأزهر الشريف؛ ويحمل منهج بعض الصوفية في الطواف بالقبور اللغط والإدانة، وصولًا إلى اتهامهم بالشرك بالله؛ وعليه وجه أحد المواطنين سؤلًا إلى دار الإفتاء يقول: قال أحد العلماء «أما الطواف بالقبور فغير مشروع عند كل علماء المسلمين بمن فيهم الصوفية، واختلفوا هل هو حرام أو مكروه، ولم يقل أحد بأنه شرك إلا بعض المعدودين على الأصابع ممن يُنْسَب إلى العلم»؛ فثارت ضجة بين أساتذة الشريعة وغيرهم، وهاجموا هذا العالم واتهمه البعض بالترويج للشرك، فما هو الحكم الشرعي في المسألة؟
وأجابت دار الإفتاء، على لسان الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق حول حكم الطواف بالقبور بالقول: «مجمل القول في هذه المسألة أن الأصل في الأفعال التي تصدر من المسلم حملُها على الأوجه التي لا تتعارض مع أصل التوحيد، ولا يجوز المبادرة برميه بالكفر أو الشرك؛ لأن إسلامه قرينة قوية توجب حمل أفعاله على ما يقتضي السلامة منهما».
حكم الطواف بالقبور، أشار المفتي، إلى أن هناك فارق كبير بين الوسيلة والشرك؛ فالوسيلة مأمور بها شرعًا، وهي التقرب إلى الله تعالى بكل ما شرعه سبحانه، ويدخل في ذلك تعظيم كل ما عظمه من الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال، أما الشرك فهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله على الوجه الذي لا ينبغي إلا لله، وهناك فارق أيضًا ما بين كون الشيء سببًا، واعتقاده خالقًا ومؤثرًا بنفسه؛ فهؤلاء المسلمون يزورون الأضرحة والقبور اعتقادًا منهم بصلاح أهلها وقربهم من الله تعالى، وأن زيارتها عمل صالح يَتقرب ويَتوسل به المسلم إلى الله تعالى، ولا يقصد أحدٌ منهم اتخاذَ القبر كعبةً يطَّوَّف به، فإن فعل ذلك أو اعتقده تعيَّن البيان له».
زيارة القبور عمل صالح يُتقرَّب ويُتوسَّل به إلى الله
وأكمل جمعة: «إذا علمنا أننا نتكلم في أفعال تصدر من مسلمين، وأن هؤلاء المسلمين يزورون هذه الأضرحة والقبور اعتقادًا منهم بصلاح أهلها وقربهم من الله تعالى، وأن زيارة القبور عمل صالح يَتقرب ويَتوسل به المسلم إلى الله تعالى، وأن الكلام إنما هو في جواز بعض ما يصدر من هؤلاء المسلمين من عدمه، وأن في بعض أفعالهم خلافًا بين العلماء، وفي بعضها خطأً محضًا لا خلاف فيه؛ إذا علمنا ذلك كله فإنه يتبين لنا بجلاء أنه لا مدخل للشرك ولا للكفر في الحكم على أفعال هؤلاء المسلمين في قليل ولا كثير أو من قَبِيل أو دَبِير، بل ما ثَمَّ إلا الخلاف في بعض الوسائل والخطأُ المحضُ في بعضها الآخر من غير أن يستوجب شيءٌ من ذلك تكفيرًا لمن ثبت إسلامه بيقين».
الطواف بالقبور، لفت المفتي، إلى أن أقوال أهل العلم في حكم الطواف بالقبور دائرة بين الحرمة والكراهة؛ أي إن منهم من يرى في الطواف وسيلة محرمة يأثم فاعلها، ومنهم من يرى أنه يستحب للمسلم تركه ولكنه إن فعله فلا عقاب عليه، والقول بالكراهة هو المعتمد عند السادة الحنابلة، كما في "كشاف القناع" لخاتمة محققيهم العلامة البهوتي، والقول بالتحريم هو مذهب جمهور العلماء، وهو الذي عليه الفتوى.
كفر من يعتقد أن صاحب القبر يضر وينفع أو يرزق ويشفي
وشدد جمعة، على أن إقحام الشرك والكفر في هذه المسألة لا وجه له، اللهم إلا على افتراض أن الطائف يعبد من في القبر، أو يعتقد أنه يجلب الضر أو النفع بذاته، أو يعتقد بأن الطواف بالقبر عبادة شرعها الله تعالى كما شرع الطواف بالبيت، وكلها احتمالات ينأى أهل العلم عن حمل فعل المسلم عليها كما سبق؛ لأن فرض المسألة في المسلم الذي يطوف بالقبر لا في غير ذلك.
ولا يجوز للمسلمين أن يشغلوا أنفسهم بمثل هذه المسائل ويجعلوها قضايا يحمل بعضهم فيها سيف الكلام على صاحبه، فيكون جهادٌ في غير وغًى، ويكون ذلك سببًا في تفريق الصفوف وبعثرة الجهود، ويشغلنا عن بناء مجتمعاتنا ووحدة أمتنا، ونسأل الله تعالى أن يجمع قلوب المسلمين على الكتاب والسنة وحسن التفهم للدين ومعرفة مراد الله تعالى من خلقه.