الكرملين: نحن المرحلة الأخيرة من العمليات العسكرية في كورسك.. وهذه شروطنا لإنهاء الحرب

شهدت الأزمة الأوكرانية تطورات بارزة في الأيام الأخيرة، حيث أعلن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن العمليات العسكرية الروسية ضد القوات الأوكرانية في منطقة كورسك، الواقعة غربي روسيا، وصلت إلى مرحلتها الأخيرة. يأتي في سياق تصعيد عسكري مستمر بين الطرفين، يعكس محاولات موسكو لاستعادة السيطرة الكاملة على المناطق الحدودية.
وفي خطوة لافتة، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مدينة كورسك يوم الأربعاء، وهي زيارته الأولى منذ استعادة القوات الأوكرانية لأجزاء من المنطقة في أغسطس الماضي. تحمل هذه الزيارة دلالات سياسية وعسكرية، حيث تؤكد التزام القيادة الروسية بالحفاظ على سيادتها في المناطق الحدودية، وتعزز من صورة بوتين أمام الداخل الروسي بأنه قائد يواكب مجريات المعركة ميدانياً.
محاولات لإعادة ضبط العلاقات
على الصعيد الدبلوماسي، كشفت مصادر مطلعة أن روسيا قدمت للولايات المتحدة قائمة بمطالب تهدف إلى التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب في أوكرانيا، ويعيد هيكلة العلاقات بين موسكو وواشنطن. ومع ذلك، لم يتم الإعلان عن تفاصيل هذه المطالب بشكل دقيق، كما لم يتضح مدى استعداد روسيا للدخول في مفاوضات مباشرة مع كييف قبل ضمان تحقيق بعض هذه الشروط.
وأفادت المصادر بأن مسؤولين من روسيا والولايات المتحدة عقدوا مناقشات حضورية وافتراضية على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، تناولت شروط موسكو للحل. وتشير التحليلات إلى أن هذه المطالب تتسم بمرونة نسبية، لكنها لا تختلف كثيرًا عن الشروط التي سبق أن طرحتها روسيا على أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في مناسبات سابقة.
أبرز المطالب الروسية وموقف الغرب
تتمحور المطالب الروسية حول قضايا استراتيجية تتعلق بالأمن القومي الروسي والتوازنات الإقليمية، حيث تشمل:
عدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وهو مطلب رئيسي كانت موسكو تؤكد عليه منذ بدء الحرب.
ضمان عدم نشر قوات أجنبية في أوكرانيا، بما يقلص النفوذ العسكري الغربي قرب الحدود الروسية.
الاعتراف الدولي بضم روسيا لشبه جزيرة القرم وأربع مقاطعات أوكرانية أخرى، وهو أمر ترفضه كييف والغرب رفضًا قاطعًا.
مطالب أوسع تتعلق بالأمن الأوروبي، إذ تدعو موسكو الولايات المتحدة وحلف الناتو لمعالجة "الأسباب الجذرية" للنزاع، لا سيما توسع الحلف شرقًا، وهو ما تعتبره روسيا تهديدًا مباشرًا لها.
ويبدو أن هذه المطالب لا تقتصر على تحقيق تسوية مع أوكرانيا فقط، بل تهدف أيضًا إلى إعادة ترتيب المشهد الجيوسياسي بين موسكو والدول الغربية، في محاولة من الكرملين لتثبيت مواقعه في الساحة الدولية، وإجبار الغرب على تقديم تنازلات استراتيجية.
هدنة محتملة وتحديات التنفيذ
في سياق متصل، يترقب المجتمع الدولي موقف موسكو من اقتراح هدنة مدتها 30 يومًا، الذي أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبوله كخطوة أولى نحو محادثات السلام. ومع ذلك، يبقى الموقف الروسي من هذه الهدنة غير واضح حتى اللحظة، حيث لم تصدر تأكيدات نهائية من الكرملين حول الموافقة عليها أو رفضها.
ومن جانب آخر، يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحديات في التعامل مع هذا الملف، في ظل مخاوف أمريكية من أن يستخدم بوتين هذه الهدنة كوسيلة لإعادة ترتيب قواته وتعزيز نفوذه، بدلاً من السير بجدية في مسار السلام. ويرى بعض المسؤولين والخبراء الأمريكيين أن الكرملين يسعى من خلال هذه المفاوضات إلى إحداث شرخ بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وتقويض موقف كييف في أي مفاوضات مستقبلية.
تعكس هذه التطورات تعقيد المشهد السياسي والعسكري للأزمة الأوكرانية، حيث تحاول روسيا تحقيق مكاسب ميدانية بالتزامن مع مساعٍ دبلوماسية لإعادة ضبط علاقاتها مع الغرب وفقًا لشروطها. وبينما تبقى فرص الحل السياسي غير واضحة، فإن مواقف الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل هذا النزاع، سواء من خلال التصعيد العسكري أو البحث عن تسوية تضمن تحقيق توازن استراتيجي جديد في المنطقة.