الاتحاد الأوروبي يفرض غرامات مخففة على ”أبل” و”ميتا” لتجنب التصعيد مع واشنطن

في خطوة تعكس حسابات سياسية دقيقة، يعتزم الاتحاد الأوروبي فرض غرامات مخففة على شركتي "أبل" و"ميتا" الأسبوع المقبل، في إطار جهوده لتنظيم السوق الرقمية دون تصعيد التوتر مع الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، وفق ما أفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز".
ضغوط تنظيمية على "أبل" و"ميتا"
بحسب مصادر مطلعة، فإن "أبل" قد تواجه غرامة مالية وأمراً بمراجعة قواعد متجر التطبيقات الخاص بها، بعد تحقيق في مدى منعها لمطوري التطبيقات من توجيه المستهلكين إلى عروض خارج منصتها. ومع ذلك، من المتوقع أن تغلق الجهات التنظيمية تحقيقاً آخر متعلقاً بـشاشة اختيار متصفح الويب الخاص بـ"أبل" دون فرض أي عقوبات إضافية.
أما شركة "ميتا"، فمن المرجح أن تُفرض عليها غرامة مالية مع إلزامها بتعديل نموذج "الدفع أو الموافقة"، الذي يجبر المستخدمين إما على الموافقة على تتبع بياناتهم الشخصية أو دفع رسوم اشتراك للحصول على تجربة خالية من الإعلانات. وكانت الشركة قد أكدت سابقاً أن هذا النموذج يلبي متطلبات الجهات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي.
من المنتظر أن تعرض المفوضية الأوروبية هذه القرارات المخططة على ممثلي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الـ27 يوم الجمعة، فيما قد يتم الإعلان عن الغرامات الأسبوع المقبل، مع احتمال تعديل الجدول الزمني أو القرارات قبل صدورها رسميًا.
قانون الأسواق الرقمية.. بين الردع والتنفيذ العملي
تأتي هذه الإجراءات في إطار تطبيق قانون الأسواق الرقمية (DMA)، الذي يهدف إلى كبح نفوذ شركات التكنولوجيا العملاقة ومنعها من احتكار الأسواق الرقمية، عبر فرض قيود صارمة على ما يسمى بـ"حراس البوابة" – وهو تصنيف يشمل كبرى الشركات الرقمية مثل "جوجل"، "أمازون"، "أبل"، "ميتا"، "مايكروسوفت"، و"بايت دانس" (تيك توك).
وبموجب هذا القانون، قد تصل العقوبات إلى 10% من إجمالي الإيرادات العالمية لهذه الشركات، وهو ما قد يترجم إلى خسائر بمليارات الدولارات. لكن المفوضية الأوروبية تتبنى نهجًا أكثر حذراً وواقعية في فرض الغرامات، حيث تسعى إلى التركيز على تحقيق الامتثال الفعلي بدلاً من فرض عقوبات مالية ضخمة. كما أن قرارات الاتحاد الأوروبي لا تزال عرضة للطعن القانوني من قِبَل الشركات المتضررة، مما قد يؤخر تنفيذها أو يُضعف تأثيرها.
اعتبارات سياسية وتجارية.. تجنب المواجهة مع ترامب
تمثل هذه الغرامات اختبارًا دقيقًا للعلاقة المتوترة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حيث أظهر دونالد ترامب اعتراضًا حادًا على الإجراءات التنظيمية الأوروبية التي تستهدف شركات التكنولوجيا الأمريكية، واصفًا إياها بأنها "ضرائب مقنّعة" و"ابتزاز خارجي".
وخلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، هاجم ترامب صراحة الغرامات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الشركات الأمريكية، مهددًا بالرد بفرض تعريفات جمركية على الدول التي تفرض ضرائب على الخدمات الرقمية للشركات الأمريكية. كما أشار في مذكرة صدرت الشهر الماضي إلى أنه سيدرس فرض إجراءات مضادة لأي سياسات أوروبية تعيق نمو الشركات الأمريكية عالميًا.
هل تؤدي الغرامات إلى تصعيد عبر الأطلسي؟
يبدو أن المفوضية الأوروبية تسير على خيط رفيع بين فرض التنظيمات الضرورية وبين تجنب التصعيد الدبلوماسي والتجاري مع واشنطن. فبينما تسعى بروكسل إلى تنفيذ قانون الأسواق الرقمية بفعالية، فإنها تحاول الحد من ردود الفعل الانتقامية من إدارة ترامب، خصوصًا في ظل التوترات التجارية القائمة بين الجانبين.
وقال مسؤول في إحدى الشركات المتضررة:
"هذه لحظة اختبار حقيقية للمفوضية الأوروبية. الاستمرار في استهداف الشركات الأمريكية قد يؤدي إلى تفاقم التوترات عبر الأطلسي، وربما يدفع واشنطن إلى اتخاذ إجراءات انتقامية، مما قد يضر بالشركات الأوروبية نفسها".
معركة ممتدة لتنظيم الأسواق الرقمية
رغم تخفيف الغرامات، تبقى هذه الإجراءات جزءًا من معركة طويلة الأمد بين الحكومات والعمالقة الرقميين حول ضبط السوق الرقمية العالمية. وبينما يحاول الاتحاد الأوروبي فرض قواعد تنظيمية أكثر صرامة، فإن ردود الفعل الأمريكية قد تؤدي إلى تصعيد اقتصادي وتجاري أكبر في المستقبل.