اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

إقالة تشاتفيلد.. صراع بين عقيدة الفتك العسكري وقيم التنوع داخل الجيش الأميركي

نائبة قائد البحرية الأميركية شوشانا تشاتفيلد
محمود المصري -

في خطوة أثارت موجة من الجدل داخل المؤسسة العسكرية الأميركية، أقالت إدارة الرئيس دونالد ترمب نائبة قائد البحرية الأميركية، شوشانا تشاتفيلد، والتي كانت المرأة الوحيدة الممثلة للولايات المتحدة في اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي "الناتو". وجاء القرار دون توضيح رسمي للأسباب، لكنه يتماشى مع توجّه الإدارة نحو تصفية ما تُسميه بـ"سياسات اليقظة" داخل المؤسسات العسكرية.

تلقت تشاتفيلد اتصالاً هاتفياً من الأدميرال كريستوفر جرادي، القائم بأعمال رئيس هيئة الأركان المشتركة، أُبلغت خلاله بأن الإدارة "تسلك مساراً مختلفاً بشأن وظيفتها". وعلى الرغم من غياب الأسباب العلنية، رجّحت مصادر مطّلعة أن القرار له علاقة بتصريحات سابقة أبدت فيها دعمها لبرامج التنوع والشمول في القوات البحرية.
ويشير توقيت الإقالة، الذي جاء في عطلة نهاية الأسبوع، والطريقة التي أُبلغت بها، إلى محاولة تجنب الضجة الإعلامية والسياسية التي من المتوقع أن تثار نتيجة إقصاء واحدة من أبرز القيادات النسائية في الحلف العسكري الأهم في العالم.

إقالة ضمن حملة موسعة ضد "سياسات اليقظة"


تشاتفيلد هي ثالث ضابطة بارزة تُفصل من منصبها منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض، في إطار حملة تطهير أوسع تستهدف القيادات التي يُنظر إليها على أنها تدعم قيم التنوع والعدالة الاجتماعية. سبق أن تمت إقالة قائدة العمليات البحرية الأدميرال ليزا فرانشيتي، وكذلك قائدة خفر السواحل ليندا فاجان.
وتقود هذه الحملة إدارة وزير الدفاع بيت هيجسيث، الذي يُعرف بموقفه المناهض لـ"سياسات اليقظة"، والتي تُصنّف برامج التنوع والمساواة والشمول (DEI) على أنها تضعف "الروح القتالية" للقوات المسلحة. وتشمل الحملة حذف المحتوى المتعلق بالتنوع من المواقع الرسمية لوزارة الدفاع، ما أثار انتقادات علنية من مشرعين وقادة عسكريين.


خلفيات أكاديمية وعسكرية مرموقة لم تثنِ عن الإقالة

تشاتفيلد ليست مجرد ضابطة عسكرية، بل واحدة من أكثر القادة المؤهلين في البحرية الأميركية. فهي قائدة طائرات مروحية، عملت في أفغانستان ضمن مهام إعادة الإعمار، وشغلت مناصب رفيعة من بينها كبير المساعدين العسكريين للقائد الأعلى لقوات التحالف في أوروبا. وتحمل شهادات مرموقة من جامعات بوسطن وهارفارد وسان دييغو، إضافة إلى وسام النجمة البرونزية.
مع ذلك، فإن انخراطها في دعم قضايا المساواة وتمكين المرأة، مثل حضورها قمة للتنوع وإلقاؤها كلمة في "يوم المساواة للمرأة"، جرى اعتباره مؤشرًا على تبنّي ما تعتبره الإدارة "سياسات تقدمية غير مقبولة".


انقسام حاد بين الجمهوريين والديمقراطيين

الإقالة أثارت ردود فعل غاضبة في الأوساط الديمقراطية، حيث وصف السيناتور مارك وارنر (ديمقراطي - فرجينيا) القرار بأنه "إضعاف لمكانة الولايات المتحدة عالميًا"، معتبرًا أن استهداف قادة عسكريين لأسباب سياسية أو أيديولوجية يقوّض هيبة المؤسسة العسكرية الأميركية، ويعرض تحالفاتها للخطر.
في المقابل، تحظى الخطوة بدعم واضح من دوائر محافظة أبرزها "مؤسسة المساءلة الأميركية"، التي وجهت رسالة إلى وزارة الدفاع تطالب بـ"تطهير الجيش من أنصار اليقظة"، والتركيز على غرس "روح الفتك" لا قيم الشمول والتنوع.


إضعاف تمثيل النساء وتقويض التحالفات


من الناحية الاستراتيجية، تشكل إقالة تشاتفيلد إضعافًا لتمثيل النساء في مواقع القيادة العسكرية العليا، خاصة في المحافل الدولية الحساسة مثل حلف "الناتو". كما أن توقيت القرار يأتي في وقت يشهد فيه الحلف تحديات كبرى بسبب الحرب في أوكرانيا، والتصاعد المتجدد في ملفات الشرق الأوسط، ما يضعف صورة القيادة الأميركية أمام حلفائها.
وتُعد اللجنة العسكرية للناتو، التي كانت تشاتفيلد عضوة فيها، الجهة الرئيسية لصياغة السياسات الدفاعية للحلف، وتعمل كحلقة وصل بين الهيكل العسكري وصناع القرار السياسي، ما يجعل غيابها خسارة على أكثر من مستوى.
إقالة شوشانا تشاتفيلد ليست حادثة إدارية معزولة، بل جزء من تحوّل أيديولوجي عميق في بنية المؤسسة العسكرية الأميركية في عهد ترمب، حيث يواجه التنوع والتمثيل المتعدد هجومًا ممنهجًا من أجل العودة إلى عقيدة "الفتك والصلابة" كأساس وحيد للجدارة العسكرية.
هذا التحوّل يهدد بتقليص الانفتاح داخل الجيش الأميركي، وتقويض فرص التنوع الذي كان يُنظر إليه كقوة ناعمة تعزز من شرعية وفعالية القيادة الأميركية عالميًا. وفي ظل هذا السياق، تصبح إقالة تشاتفيلد علامة واضحة على انقسام الداخل الأميركي، ليس فقط سياسيًا، بل مؤسساتيًا وثقافيًا.