اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الاتهامات الأوكرانية لمشاركة صينيين في القتال تفتح جبهة دبلوماسية جديدة بين بكين وكييف

الصين
محمود المصري -

في تطور لافت على صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، دخل عنصر جديد إلى دائرة الجدل الدولي بعد أن اتهمت أوكرانيا، على لسان رئيسها فولوديمير زيلينسكي، مواطنين صينيين بالقتال إلى جانب القوات الروسية على الأراضي الأوكرانية. ووفقًا لزيلينسكي، فإن الجيش الأوكراني اعتقل اثنين من هؤلاء في منطقة دونيتسك، وهي إحدى المناطق الساخنة في الشرق الأوكراني، مؤكدًا أن بحوزة السلطات الأوكرانية وثائق وبطاقات مصرفية ومعلومات شخصية تثبت هويتيهما.

اتهام صادم ورد صيني سريع

هذه التصريحات جاءت بمثابة مفاجأة دبلوماسية أثارت تساؤلات حول مدى تورط أطراف خارجية في الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر. إلا أن الرد الصيني لم يتأخر، إذ رفضت بكين الاتهامات بشكل قاطع وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، الذي وصفها بأنها "لا أساس لها على الإطلاق". وأضاف أن "موقف الصين من الأزمة الأوكرانية واضح ولا لبس فيه ويحظى بتقدير واسع من المجتمع الدولي"، في إشارة إلى تبني الصين موقف الحياد الرسمي والدعوة إلى التسوية السلمية.

ما وراء الحدث.. البُعد السياسي والدبلوماسي

التوتر الناتج عن هذه الاتهامات لا يمكن النظر إليه من زاوية أمنية أو استخباراتية فقط، بل يتصل مباشرة بالصورة الدبلوماسية التي تسعى الصين لترسيخها كطرف محايد، أو حتى كوسيط محتمل بين موسكو وكييف. منذ اندلاع الحرب، تجنبت بكين الاصطفاف العلني مع موسكو رغم الشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين، وأكدت مرارًا دعمها للحلول السلمية ورفضها لتوسيع التحالفات العسكرية الغربية.


لكن ظهور اتهامات بوجود مواطنين صينيين يُقاتلون على الأراضي الأوكرانية، حتى لو لم يكن ذلك بتنسيق رسمي مع بكين، من شأنه أن يُحرج الصين دوليًا، ويضعها في موقع المشتبه فيه، خصوصًا أمام الدول الغربية التي تراقب عن كثب مستوى دعم الصين الضمني لروسيا سواء كان اقتصاديًا أو تقنيًا.

لماذا هذه الاتهامات الآن؟

توقيت هذه التصريحات الأوكرانية ليس بريئًا. فهي تأتي بالتزامن مع تصاعد الحديث الغربي عن إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا، واستمرار الضغوط على الصين بشأن علاقاتها مع روسيا. عبر هذه التصريحات، قد تسعى أوكرانيا إلى:
الضغط على بكين لدفعها إلى اتخاذ موقف أكثر حسمًا ضد موسكو.
إحراج الصين دبلوماسيًا أمام المجتمع الدولي، وخاصة أمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
حث الدول الغربية على التعامل بجدية أكبر مع فكرة "التحالفات غير المعلنة" التي قد تكون تتشكل بين روسيا وبعض الدول غير الغربية.


قراءة في الموقف الصيني

الرد الصيني السريع والحاد يكشف حساسية بكين الشديدة تجاه كل ما يمكن أن يُفسر على أنه انحياز عسكري مباشر لموسكو. وبما أن الصين تُدرك تبعات توريط مواطنيها في ساحة قتال حساسة كهذه، فمن المرجح أن تمارس ضغوطًا داخلية قوية للتأكد من عدم وجود "متطوعين" أو مقاتلين مرتزقة صينيين في صفوف الجيش الروسي.


من الناحية القانونية، الصين تُجرّم الانخراط في حروب خارجية دون تفويض من الدولة، ما يعني أنها قد تتعاون – ولو بشكل محدود – مع أوكرانيا في التحقق من هوية المعتقلين، حفاظًا على صورتها.

تأثير محتمل على العلاقات الدولية

إذا تم التحقق من صحة الاتهامات، فإن ذلك قد يؤدي إلى:
توتر دبلوماسي مؤقت بين الصين وأوكرانيا، خصوصًا إذا لم تتعاون بكين في تقديم توضيحات كافية.

استغلال سياسي من قبل الغرب، خاصة الولايات المتحدة، لزيادة الضغط على الصين تحت مبررات دعمها الضمني لروسيا.


تقييد الدور الوسيط للصين، الذي كانت تحاول لعبه في الأشهر الماضية عبر مبادرات سلام رمزية، لكنها لم تلقَ صدى كبيرًا بسبب موقفها "الغامض".


تدخل الاتهامات الأوكرانية بحق مواطنين صينيين في صلب التفاعلات الجيوسياسية للحرب، وقد تفتح جبهة جديدة من التوتر بين الصين والغرب، وربما تقوض جهود بكين في الحفاظ على توازن دبلوماسي دقيق. وفي الوقت الذي تسعى فيه أوكرانيا للحصول على دعم أوسع وأقوى من حلفائها، قد تكون هذه الاتهامات ورقة ضغط إضافية لتسليط الضوء على ما تعتبره "تحالفًا صامتًا" بين موسكو وبكين، حتى وإن لم يُعلن رسميًا.

الأسابيع المقبلة قد تكشف مدى جدية كييف في متابعة هذا الملف، وما إذا كانت بكين ستدخل في دوامة تفسيرات جديدة أو تكتفي بنفيها القاطع، في ظل حرب باتت لا تقتصر على المدافع، بل تتوسع لتشمل ملفات التجسس، الدعاية، والمواجهة الدبلوماسية متعددة الأطراف.