اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

تصعيد خطير في الحرب التجارية.. الصين توقف استلام طائرات بوينج وترد على الرسوم الأميركية بعقوبات غير معلنة

 الصين توقف استلام طائرات بوينج
محمود المصري -


في خطوة جديدة تحمل دلالات استراتيجية عميقة، أمرت الصين شركات الطيران التابعة لها بتعليق استلام شحنات جديدة من طائرات شركة "بوينج" الأميركية، إلى جانب وقف شراء قطع غيار الطائرات من الموردين الأميركيين. وتأتي هذه الخطوة في سياق تصعيد غير مسبوق للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث تجاوزت الرسوم الجمركية المتبادلة بين الطرفين حدود 145%، ما يجعل الأزمة واحدة من أعنف النزاعات الاقتصادية بين القوتين.

التحرك الصيني، الذي كشفته وكالة "بلومبرغ" نقلاً عن مصادر مطلعة، لم يأتِ بمعزل عن التطورات الأخيرة في السياسة التجارية الأميركية، حيث فرضت إدارة الرئيس دونالد ترمب سلسلة متتالية من الرسوم الجمركية، بدأت بـ10% على الواردات الصينية في فبراير، وتكررت النسبة في مارس، بحجة تقاعس بكين عن كبح تدفق مادة "الفنتانيل" إلى السوق الأميركية، وهي مادة مخدرة شديدة الخطورة تسببت في آلاف الوفيات.

لكن القرار الأميركي لم يتوقف عند هذا الحد، بل صعّد ترمب الإجراءات بفرض رسوم جمركية إضافية وصلت إلى سقف 145%، مما أدى إلى رد فعل فوري من بكين، تمثل في رفع الرسوم على السلع الأميركية بنسبة 125%. وبينما يُظهر هذا التراشق الجمركي الوجه العلني للنزاع، فإن القرار الصيني ضد "بوينج" يعكس انتقال الصراع إلى مستوى أكثر دقة واستهدافاً، عبر المساس المباشر بأحد أعمدة الاقتصاد الأميركي وشركاته الرائدة في قطاع الطيران.

تداعيات القرار الصيني

1. ضربة اقتصادية مباشرة لبوينج: تراجعت أسهم الشركة بنسبة 4.5% فور الإعلان عن القرار، ما يشير إلى حالة قلق واضحة في الأسواق إزاء تداعيات هذا التصعيد. الصين تمثل سوقاً ضخمة لبوينج، وأي تقليص في تعاملاتها يهدد ليس فقط مبيعات الشركة، بل أيضاً صورتها التنافسية أمام العملاق الأوروبي "إيرباص".


2. تحول استراتيجي في واردات الطيران الصينية: وقف شراء الطائرات وقطع الغيار من الولايات المتحدة قد يدفع بكين لتوسيع اعتمادها على الموردين الأوروبيين أو تطوير قدراتها المحلية في هذا القطاع، ما قد يُحدث تحوّلاً دائماً في خريطة الصناعة الجوية العالمية.


3. إعادة تشكيل خطوط الإمداد العالمية: الإجراءات الجمركية المتبادلة تعني أن سلاسل التوريد في مجالات التكنولوجيا، الإلكترونيات، والطيران قد تتعرض لتعديلات جذرية، مع سعي الشركات لتقليل اعتمادها على الأسواق أو الموردين المتأثرين بالقرارات السياسية.

الموقف الصيني.. ضبط النفس مع استعداد للتصعيد

رغم أن الرد الصيني بدا محدداً وفعّالاً، فإن خطاب بكين الرسمي اتسم بشيء من التهدئة، على الأقل ظاهرياً. فقد أكدت وزارة الخارجية الصينية التزامها بمبدأ التعاون والانفتاح، وأعلنت نيتها توسيع شراكاتها مع دول أخرى. تصريح المتحدث لين جيان بأن "بكين ستظل ملتزمة بالتعاون بدلاً من تسديد الضربات"، يعكس حرص الصين على الظهور بمظهر المسؤول دولياً، دون التنازل عن قدرتها على الرد المؤلم عند الضرورة.

تصريحات ترمب.. رسالة مواجهة لا لبس فيها

في المقابل، لم يُبدِ الرئيس الأميركي أي نية للتراجع، بل صعّد لهجته تجاه الصين، مؤكداً أنه "لا أحد سيفلت من العقاب"، وموجهاً اتهامات واضحة لبكين بفرض حواجز تجارية وتعامل غير عادل. كما نفى أن تكون هناك استثناءات جمركية للمنتجات الإلكترونية، ما يزيد من حالة الغموض والتوتر داخل الأسواق العالمية.

ومما لا شك فيه أن الأزمة بين الصين والولايات المتحدة دخلت مرحلة جديدة عنوانها استهداف المصالح الاستراتيجية بشكل مباشر، وليس فقط تبادل الرسوم الجمركية. القرار الصيني ضد "بوينج" ليس مجرد رد فعل اقتصادي، بل خطوة مدروسة تهدف إلى ممارسة ضغط سياسي عبر الاقتصاد، في وقت تستعد فيه واشنطن لمراجعة علاقاتها التجارية تحت غطاء "الأمن القومي".

في ضوء هذا التصعيد، تبقى الأنظار موجهة إلى إمكانية انزلاق الصراع نحو مواجهة أوسع تؤثر على الاقتصاد العالمي بأكمله، أو نجاح الأطراف في العودة إلى طاولة المفاوضات لتفادي انفجار أكبر.