اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

مفاوضات غزة بين الثوابت والتنازلات.. حماس تضع شروطها والوساطات تختبر صبر الاحتلال

غزة
محمود المصري -

تشهد مفاوضات الهدنة بين حركة "حماس" وإسرائيل عبر الوسطاء لحظة فارقة، مع اقتراب موعد الرد الحاسم من حماس على المقترح الإسرائيلي خلال 48 ساعة، وفق ما صرّح به مصدر مطلع في الحركة. ويتضح من هذا التصريح أن الكرة ما زالت في ملعب حماس، لكن ضمن سياق تفاوضي شديد التعقيد، تسوده اشتراطات متناقضة بين الطرفين، وضغوط إقليمية ودولية متزايدة.

موقف حماس.. لا هدنة دون وقف دائم للنار

الموقف المعلن من حركة حماس يؤكد تمسكها بثوابت واضحة في أي اتفاق مرتقب:

وقف شامل ودائم لإطلاق النار،
انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة،
ضمان إدخال المساعدات الإنسانية دون قيود،
الرفض المطلق لأي نقاش حول نزع سلاح المقاومة، الذي وصفه المصدر بـ"الخط الأحمر طالما استمر الاحتلال".

تشير هذه المواقف إلى تمسك حماس ليس فقط بالبعد العسكري للمقاومة، بل أيضاً بمكتسباتها السياسية والمعنوية في ظل عدوان مستمر طال أكثر من نصف عام.

تفاصيل المقترح الإسرائيلي.. خطوة بخطوة ولكن بشروط مجزأة

المقترح الإسرائيلي، الذي وصل إلى حماس عبر وسطاء في القاهرة، يقدم تصوراً تدريجياً لعملية التهدئة، لكنه يتعمد تجزئة الالتزامات، حيث يعرض بداية إطلاق سراح عدد من الأسرى الإسرائيليين مقابل الإفراج عن مئات المعتقلين الفلسطينيين، دون أن يتعهد بوقف دائم لإطلاق النار من اليوم الأول.

وتتضمن أبرز بنود المقترح:

في اليوم الأول: إطلاق سراح الجندي الأميركي-الإسرائيلي ألكسندر عيدان كبادرة خاصة تجاه واشنطن.
في اليوم الثاني: إطلاق 5 رهائن مقابل الإفراج عن 677 أسيراً فلسطينياً (بينهم 611 من غزة) وإدخال مساعدات عاجلة.
اليوم الثالث: بدء مفاوضات حول "اليوم التالي" والتي تشمل "نزع السلاح" و"وقف إطلاق نار دائم".
اليوم السابع: إطلاق 4 أسرى مقابل 554 فلسطينياً، واستكمال عملية إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي من رفح إلى مناطق شرق شارع صلاح الدين.

وتُركّز الورقة الإسرائيلية على:

تنفيذ الإفراج عن الأسرى دون مظاهر احتفال أو استعراضات،
وضع آلية لضمان وصول المساعدات إلى المدنيين فقط،
إدخال معدات إيواء كجزء من التهدئة الإنسانية.

مفارقات وتناقضات

تكمن أبرز إشكاليات المقترح في كونه يتعامل مع الهدنة كعملية تبادلية مؤقتة لا كحل سياسي نهائي، بينما تصر حماس على اعتبار وقف النار مقدمة لأي نقاش آخر، وليس نتيجة محتملة لمفاوضات مستقبلية. ومن هنا، فإن ما تعتبره إسرائيل "تدرجاً عقلانياً"، تراه حماس مماطلة غير مضمونة العواقب.

في المقابل، تُطالب الحركة من الولايات المتحدة والوسطاء ممارسة ضغط مباشر وفعّال على إسرائيل "لضمان الالتزام وعدم التنصل" من بنود الاتفاق، وهو ما يعكس عدم ثقة متجذّرة لدى حماس تجاه تعهدات الاحتلال، المستندة إلى تجارب سابقة من الخروقات الإسرائيلية.

كما تواجه الوساطة الدولية امتحاناً حقيقياً، إذ تسعى لربط التهدئة الإنسانية بتنازلات سياسية من الطرفين، بينما يتمسك كل طرف بروايته: إسرائيل تسعى لنزع سلاح المقاومة وتكريس سيطرتها على خارطة غزة ما بعد الحرب، بينما ترى حماس أن التهدئة دون ضمانات دائمة هي فخ سياسي يُمهّد لإنهاء وجودها العسكري والشعبي.

الرد المرتقب من حماس خلال الساعات القادمة سيكون بمثابة مفترق طرق: إما دفع عجلة الهدنة، أو الانزلاق نحو جولة تصعيد جديدة، في ظل وضع إنساني مأساوي، وضغوط شعبية داخل غزة وخارجها، قد تفرض حتميات مختلفة على الأطراف كافة.