اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

السودان بين الركام.. عامان من الحرب والمأساة الإنسانية الأكبر في العالم

السودان بين الركام.. عامان من الحرب والمأساة الإنسانية الأكبر في العالم
محمود المصري -

في الذكرى الثانية لاندلاع الحرب في السودان، يواجه هذا البلد المنكوب واحدة من أعنف الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، وسط تجاهل دولي متزايد ومعاناة متصاعدة لملايين المدنيين، وعلى رأسهم الأطفال والنساء. اندلعت الحرب في 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتحولت إلى نزاع مدمر طال كافة مناحي الحياة في السودان، وامتدت آثاره لتشمل دول الجوار والمنطقة بأكملها.

نزيف إنساني غير مسبوق

أدت الحرب إلى واحدة من أكبر موجات النزوح القسري في العالم، حيث نزح داخلياً أكثر من 12 مليون شخص، بينما اضطر 3.8 مليون آخرين لعبور الحدود طلبًا للأمان. ووفق تقديرات الأمم المتحدة، فإن هذا النزوح يمثل ثلث سكان البلاد، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى أكثر من 17 مليون نازح ولاجئ بحلول 2025.

الأزمة لم تقتصر على التهجير، بل امتدت لتطال الأمن الغذائي، إذ يعاني حوالي 25 مليون شخص – أي نصف السكان – من الجوع الشديد، من بينهم 8.5 مليون في مراحل متقدمة من انعدام الأمن الغذائي، على وشك الوقوع في مجاعة شاملة. وتشير تقديرات برنامج الأغذية العالمي إلى أن نحو خمسة ملايين طفل وأم يعانون من سوء التغذية الحاد، وهو ما يهدد بموجة وفيات واسعة النطاق ما لم يتم التدخل العاجل.

انهيار البنية التحتية الحيوية

القطاع الصحي في السودان كان من بين الأكثر تضررًا، إذ تجاوزت خسائره 11 مليون دولار وفق وزير الصحة، بينما تعطلت 70% من المرافق الصحية في مناطق النزاع، بما في ذلك العاصمة الخرطوم. تدمير المستشفيات بشكل ممنهج أعاق عودة الخدمة الصحية، رغم محاولات الدولة والقطاع الخاص تحسين الإمداد الدوائي عبر استيراد أدوية بقيمة 230 مليون دولار العام الماضي.

أطفال السودان في مهب الموت

التهديد الأكبر يطول أطفال السودان، الذين باتوا في مرمى النيران والجوع والجهل. أكثر من 15 مليون طفل بحاجة لمساعدات إنسانية، بينما 17 مليون طفل خارج مقاعد الدراسة، في بلد يواجه جيلٌ كاملٌ فيه خطر الضياع التام. وتشير تقارير اليونيسف إلى أن 3.2 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، فيما ارتفعت الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال بنسبة 1000% منذ بدء النزاع.

تصف شهادة إيفا هندز من اليونيسف مشاهد الموت الجماعي في الفاشر ومعسكر زمزم، حيث تُحاصر مئات الآلاف من الأطفال بين القصف والجوع والمرض، في مشهد يكاد يختزل حجم المأساة الوطنية.

المرأة في قلب المعاناة

النساء والفتيات النازحات يواجهن أشكالاً متعددة من العنف، من التشرد إلى الولادة في ظروف غير إنسانية. 2.7 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب ضمن النازحين، منهن 300 ألف حامل. كثيرات منهن يلدن على قارعة الطرق، وسط غياب أي رعاية صحية، مما يؤدي إلى تفشي أمراض خطيرة مثل الكزاز عند حديثي الولادة. وتُحذر تقارير الأمم المتحدة من تأثيرات كارثية طويلة الأمد على الأجيال القادمة بسبب سوء التغذية والعنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي يهدد 6.7 مليون شخص.

استجابة دولية محدودة وتجاهل مقلق

رغم جسامة الكارثة، لم تلقَ الحرب في السودان الاهتمام الدولي الكافي. في مؤتمر لندن الذي عُقد بالتزامن مع الذكرى الثانية للنزاع، أعلنت بريطانيا تقديم 158 مليون دولار كمساعدات إضافية. إلا أن المؤتمر خلا من تمثيل مباشر للحكومة السودانية، مما طرح تساؤلات حول جدية الحلول السياسية واستدامة الدعم الإنساني.

وصف وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الوضع بأنه "أزمة منسية"، محذراً من تحولها إلى "كارثة شاملة" إن لم يتحرك المجتمع الدولي بسرعة. كما أكد أن أطراف النزاع أظهرت "استخفافاً مروعاً" بحياة المدنيين، ما يفاقم التحديات أمام أي جهود للسلام أو الإغاثة.

يمر السودان بمرحلة مفصلية في تاريخه، حيث الحرب المستعرة تمزق نسيجه الاجتماعي وتدفع بملايين من أبنائه نحو الجوع والجهل والتشرد. الوضع لم يعد مجرد أزمة داخلية، بل تحدٍ إنساني عالمي يستدعي استجابة طارئة وشاملة.

في ظل غياب حل سياسي يلوح في الأفق، تبقى الأولوية القصوى الآن لضمان وصول المساعدات الإنسانية، حماية المدنيين، والعمل على وقف دائم لإطلاق النار، وإعادة بناء الدولة من تحت الرماد، قبل أن تتحول هذه الأزمة إلى نقطة اللاعودة.