تحالف الإفتاء والتجديد الديني.. لقاء استراتيجي بين مفتي مصر وسنغافورة لرسم ملامح التعاون والتحديث في مواجهة التحديات المعاصرة

في مشهد يعكس عمق التحديات الدينية والفكرية التي تواجه المجتمعات الإسلامية المعاصرة، جاء اللقاء الذي جمع مفتي الجمهورية المصرية فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد، بنظيره السنغافوري سماحة الشيخ الدكتور ناظر الدين محمد، على هامش مؤتمر "المواطنة والهُوية وقيم العيش المشترك" في أبو ظبي، ليشكّل محطة محورية في مسار التعاون الديني بين الشرق العربي والجنوب الشرقي الآسيوي.
اللقاء، وإن بدا تقليديًّا من حيث الشكل، إلا أنه يحمل في طياته أبعادًا استراتيجية تستجيب لحالة السيولة الفكرية والتحولات السريعة في المجتمعات المسلمة، والتي تتطلب جهودًا مؤسسية متماسكة لضبط الخطاب الديني وتجديد آلياته.
أبعاد الأزمة وأهمية اللقاء
العالم الإسلامي اليوم يواجه مجموعة من الأزمات المتشابكة: تفكك المفاهيم الدينية، تصاعد التيارات المتطرفة، تسارع التحولات الاجتماعية والتكنولوجية، وتراجع دور الفتوى المؤسسية أمام اجتهادات فردية تفتقر إلى العمق العلمي والسياقي. وفي هذا السياق، تبدو الحاجة ملحّة لبناء شبكات من التعاون بين دُور الإفتاء الكبرى حول العالم، بهدف تطوير أدوات الفتوى، وتبادل التجارب في إدارة التنوع الديني والثقافي.
وقد أكد مفتي الجمهورية خلال اللقاء على أهمية هذا النوع من التعاون، انطلاقًا من رؤية دار الإفتاء المصرية الداعمة للاعتدال والحوار الحضاري. كما أثنى على الدور الذي تضطلع به دار الإفتاء في سنغافورة، خاصة في بيئة متعددة الأديان والثقافات، ما يمنحها خبرات نوعية في إدارة التنوع والتعدد.
من الأقوال إلى الأفعال.. دعوة سنغافورة و"مختبر الإفتاء 2025"
واحدة من أبرز مخرجات اللقاء كانت الدعوة الرسمية التي سلّمها مفتي سنغافورة إلى الدكتور نظير عياد، لحضور الاجتماع الافتتاحي للجنة الاستشارية لكلية الدراسات الإسلامية في سنغافورة (SCIS)، والمشاركة في ندوة "مختبر الإفتاء 2025" – وهو مشروع طموح يسعى إلى استشراف مستقبل الفتوى في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي والتغيرات الاجتماعية المتسارعة.
هذا يشير إلى إدراك واضح لدى الطرفين بأن التحديات القادمة لا يمكن مواجهتها بالأدوات التقليدية، بل بفتح أبواب الاجتهاد المؤسسي، والتفاعل الواعي مع السياقات الاجتماعية، وتعزيز الشراكات بين مراكز التفكير والبحث الديني.
خاتمة وتوصيات
اللقاء بين مفتي مصر وسنغافورة لم يكن مجاملة بروتوكولية بقدر ما كان تعبيرًا عن قناعة مشتركة بأن زمن الاجتهادات الفردية العابرة قد ولّى، وأن مستقبل الإسلام في العالم يتوقف على مدى قدرة مؤسساته على التجدد والتعاون العابر للحدود.
إن التحول من التنظير إلى التخطيط المشترك، ومن الكلام إلى التنسيق التنفيذي، هو ما سيحدد أثر هذه اللقاءات في المدى المتوسط والطويل. ويُنتظر أن تشهد المرحلة القادمة مشروعات ملموسة في التدريب والتأهيل والبحث المشترك، تسهم في ترسيخ دور الفتوى المؤسسية كرافعة للتوازن والتجديد.