اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

إعادة هيكلة داخلية أم بناء دولة؟.. تحليل شامل لتحركات وزارة الداخلية السورية بقيادة أنس خطاب

وزير الداخلية السوري
محمود المصري -

في خطوة توحي بتحول جذري في النهج الأمني والإداري، أعلن وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، عن مجموعة واسعة من الإجراءات التي تهدف إلى إعادة هيكلة جهاز وزارة الداخلية ومؤسساتها، في سياق يبدو أنه يتجاوز الإصلاح الإداري إلى محاولة لفرض واقع سياسي وأمني جديد داخل البلاد.

أولاً: هيكلة أمنية تتجاوز الشكل إلى المضمون

ركز خطاب في تصريحاته، التي نُشرت عبر منصة "إكس"، على أهمية توحيد قيادة الأمن والشرطة في المحافظات، ما يعني إلغاء التباين بين الأجهزة الأمنية داخل كل محافظة، وتمكين مركزية القرار تحت مسؤول واحد، يتولى إدارة الشرطة والأمن معًا. هذا التغيير يفتح الباب أمام إعادة توزيع النفوذ الأمني، وضبط الانقسامات التي لطالما ميزت المشهد الأمني السوري بفعل تضارب الصلاحيات بين الأجهزة المختلفة.

ثانيًا: ملف السجون.. من الرعب إلى إعادة التأهيل؟

لم يغفل الوزير الحديث عن ملف السجون، الذي يُعد من أكثر الملفات حساسية في الذاكرة الجماعية للسوريين، نظراً لما ارتبط به من انتهاكات واسعة خلال العقود الماضية. وبرغم حديثه عن "تأهيل السجون" وتحويلها إلى مراكز إصلاح، فإن غياب التفاصيل حول آليات التغيير، وحقوق النزلاء، وآليات الرقابة، يثير تساؤلات حول مدى الجدية، وما إذا كانت هذه التصريحات تحمل بعدًا تجميليًا أو بداية فعلية لإصلاح حقيقي.

ثالثًا: إفشال "مشروع انقلاب" وإعادة ترتيب البيت الداخلي

في تصريح لافت، تحدث خطاب عن "إفشال مشروع انقلاب" خطط له ضباط من النظام السابق، مؤكدًا أنه أصبح من الماضي. هذا الإعلان يحمل بعدين خطيرين:

1. وجود انقسامات داخل النظام لا تزال تنبض تحت السطح، ما يعكس حجم التحديات الأمنية الداخلية.


2. محاولة فرض خطاب الشرعية من خلال تصوير القيادة الحالية كمنقذ من مؤامرة داخلية، وبالتالي كسب مزيد من الولاء الشعبي والعسكري.

رابعًا: تطوير المؤسسات وتعزيز البنية التقنية

أشار الوزير إلى بدء دراسة شاملة لتحديث المخابر الجنائية، وتطوير قدرات المباحث، في خطوة تنم عن رغبة في تحديث أدوات العمل الأمني، ربما لمواكبة الجرائم الإلكترونية والتهديدات الحديثة. كما تحدث عن جهود لتبسيط إجراءات إصدار الوثائق الرسمية، كالجوازات، حيث تم استخراج أكثر من 160 ألف جواز سفر، في دلالة على استمرار الضغط الشعبي على هذا النوع من الخدمات.

خامسًا: تعاون أمني خارجي وتطلعات إقليمية

لم يغفل خطاب أهمية البعد الإقليمي، معلنًا إرسال واستقبال بعثات أمنية بهدف التعلم وتبادل الخبرات، خاصة في مجالات مكافحة الإرهاب، وضبط الحدود، والجرائم المنظمة. هذا يطرح إشارات إلى سعي دمشق لتثبيت أقدامها في المشهد الأمني الإقليمي عبر التنسيق مع دول الجوار، مع التركيز على قضايا تشكل تهديدًا مشتركًا، مثل تنظيم داعش وملف المخدرات.

بين التجميل والتغيير الحقيقي

الخطاب الوزاري يحمل نَفَسًا إصلاحيًا ظاهرًا، لكنه محفوف بأسئلة جوهرية حول النوايا، والقدرة على التنفيذ، ومدى تجاوب بقية أجهزة الدولة ومراكز القوى معه. فهل نحن أمام مشروع إصلاح داخلي حقيقي، أم إعادة توزيع للسلطة والنفوذ؟ وهل ستترجم هذه التصريحات إلى واقع ملموس يشعر به المواطن السوري، أم تظل في إطار الرسائل السياسية الموجهة للخارج والداخل على حد سواء؟.

المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في اختبار صدقية هذه التحركات، ليس فقط من خلال النتائج، بل من خلال الشفافية وآليات المتابعة والمحاسبة.