اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الصين تواجه العزلة الأميركية.. جولة شي جين بينغ الآسيوية لتعزيز النظام الدولي متعدد الأطراف

الصين
محمود المصري -

في ظل تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة، واتساع الهوة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، اختار الرئيس الصيني شي جين بينغ أن يبعث برسائل متعددة الاتجاهات خلال جولة آسيوية شملت ماليزيا، فيتنام، وكمبوديا. وقد حملت هذه الجولة طابعاً سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً، يهدف إلى مواجهة الضغوط الأميركية المتزايدة، وإعادة ترسيخ مكانة الصين كقوة عالمية تقود التعددية وتدافع عن مبادئ النظام الدولي القائم على القانون والتعاون المشترك.

أولاً: السياق الدولي - تصعيد مستمر في العلاقات الصينية-الأميركية

تأتي جولة شي في وقت بالغ الحساسية، إذ تمر العلاقات الصينية-الأميركية بأزمة حادة بسبب ملفات متعددة أبرزها:

الحرب التجارية التي اندلعت منذ عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وما زالت تداعياتها قائمة.
فرض رسوم جمركية عقابية من الطرفين، إذ بلغت على السلع الصينية إلى أميركا 145%، مما أثر بشدة على سلاسل التوريد العالمية.
انسحاب واشنطن من الاتفاقيات والمنظمات الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية، في إطار سياسة "أميركا أولاً"، وهو ما وصفته بكين بأنه تهديد مباشر للنظام الدولي المتعدد الأطراف.

ثانيًا: رسالة الصين عبر جولة شي - التمسك بالتعددية ومبادئ القانون الدولي

في مقاله المنشور في صحيفة The Star الماليزية، وضع شي جين بينغ حجر الزاوية لرؤية الصين العالمية، عبر دعوة صريحة للتمسك بالنظام الدولي القائم على الأمم المتحدة والقانون الدولي. شدد على أهمية:

الحفاظ على استقرار سلاسل الإمداد العالمية.
حماية النظام التجاري متعدد الأطراف من تهديدات الأحادية.
رفض الحمائية الاقتصادية التي تسعى واشنطن إلى فرضها على الشركاء التجاريين.

ثالثًا: ماليزيا وآسيان - شراكات استراتيجية لمواجهة الضغوط الأميركية

زيارة شي إلى ماليزيا لم تكن مجرد محطة دبلوماسية عادية، بل جاءت في إطار إعادة صياغة شبكة التحالفات الإقليمية للصين، خصوصاً ضمن رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، حيث سعت بكين إلى:

تعميق التعاون في إطار "مبادرة الحزام والطريق" من خلال مشاريع البنية التحتية والنقل.
تعزيز التبادل التجاري، خصوصاً في المنتجات الزراعية الماليزية ذات الجودة العالية.
توقيع اتفاقيات ثنائية في مجالات الطاقة والاستثمار والتكنولوجيا.

وتُظهر البيانات الاقتصادية أن الصين هي الشريك التجاري الأكبر لماليزيا منذ عام 2009، بقيمة تبادل تجاري تجاوزت 109.65 مليار دولار في 2024.

رابعًا: المواجهة الجيوسياسية - مناورات خلف الكواليس

ألمح شي جين بينغ إلى "تأثيرات سلبية خلف الكواليس" و"تيارات الأحادية"، في إشارة ضمنية إلى واشنطن. هذه التصريحات تكشف عن إدراك صيني واضح لضرورة التحرك الاستباقي في مواجهة التوجه الأميركي لتقويض نفوذ بكين، سواء عبر تحالفات جديدة (مثل مجموعة كواد) أو عبر تشديد القيود على التكنولوجيا والاستثمار.

خامسًا: مستقبل النظام العالمي - الصين كلاعب رئيسي أم بديل؟

ما تسعى إليه بكين اليوم لا يقتصر على حماية مصالحها التجارية فقط، بل يتعداه إلى تقديم نفسها كقائد بديل أو شريك أكثر عدلاً في إدارة النظام العالمي، خاصة في ظل تراجع الدور الأميركي وتنامي الشعور الدولي بالحاجة إلى نظام أكثر توازناً. والرسالة الصينية تبدو واضحة: لن تسمح بكين أن تُعزل، بل سترد بتوسيع نفوذها، خصوصاً في محيطها الإقليمي.
جولة شي جين بينغ تمثل رداً مباشراً على محاولات واشنطن تطويق الصين، وهي جزء من استراتيجية أوسع تعيد رسم خريطة التحالفات الدولية، وتعزز دور الصين في صياغة مستقبل النظام العالمي. ما بين التعددية والانفتاح من جهة، والحرب التجارية والحصار التكنولوجي من جهة أخرى، يجد العالم نفسه أمام اختبار حقيقي لنظامه الدولي، بين رؤية صينية تسعى للشراكة، ورؤية أميركية تُغلب المصالح القومية.