مفاوضات متوترة.. الرسوم الجمركية والدعم العسكري يشعلان أزمة تجارية جديدة بين واشنطن وطوكيو

في ظل تصاعد التوترات التجارية العالمية، تعود العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة واليابان إلى واجهة المشهد السياسي، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن اجتماع مرتقب للتفاوض على ملفين شائكين: الرسوم الجمركية وتكاليف الدعم العسكري الأميركي لليابان.
منذ وصول ترمب إلى البيت الأبيض، تبنّت إدارته نهجاً اقتصادياً أكثر تشدداً تجاه الحلفاء والشركاء التجاريين، متذرعةً بحماية الصناعات الأميركية من "الممارسات غير العادلة". اليابان، رغم كونها أحد أقرب حلفاء واشنطن في آسيا، لم تُستثنَ من هذا التوجه، حيث فرضت الإدارة الأميركية رسوماً جمركية ثقيلة على الصلب والألمنيوم والسيارات اليابانية.
مفاوضات معقدة في واشنطن
أعلنت طوكيو إرسال وزير الإنعاش الاقتصادي أكازاوا ريوسيه إلى واشنطن لقيادة جولة جديدة من المفاوضات، على أمل أن تقتصر على ملفات التجارة والاستثمار. لكن الرئيس ترمب، عبر منصته "تروث سوشيال"، فاجأ الجميع بإعلانه مشاركته المباشرة في المحادثات، إلى جانب وزير التجارة الأميركي، ما يعكس أهمية الملف لدى الإدارة الأميركية وربما نواياها في التصعيد.
ترمب أشار إلى رغبته في "حل يعود بالنفع الكبير على الطرفين"، لكن الخطاب السياسي المرافق يُشير إلى ضغوط واضحة على اليابان، لا سيما في مسألة تحمل المزيد من أعباء استضافة القوات الأميركية المنتشرة على أراضيها، والتي تبلغ قرابة 55 ألف جندي.
المخاوف اليابانية
طوكيو عبّرت، بشكل واضح، عن قلقها من الآثار السلبية للرسوم الجمركية على اقتصادها، وخاصة قطاع السيارات الذي يُعتبر حجر الزاوية في الاقتصاد الياباني. الوزير أكازاوا أشار إلى أن "أرباح الشركات تتراجع يومياً"، مؤكداً التزام حكومته بتحقيق نتائج إيجابية في أقرب وقت ممكن.
كما تخشى اليابان من أن تتحول هذه المفاوضات إلى ورقة ضغط أميركية لفرض تنازلات سياسية أو عسكرية، إذ ترفض طوكيو حتى الآن تقديم تنازلات كبيرة أو اتخاذ إجراءات مضادة، رغم استمرار الرسوم الأميركية بنسبة 25% على السيارات والمعادن، و10% على سلع أخرى.
معضلة الدعم العسكري
الشق العسكري من المفاوضات لا يقل حساسية عن الملف التجاري. فاليابان، التي تعتمد على "المظلة الأمنية" الأميركية لمواجهة التهديدات الإقليمية، تجد نفسها في موقف حرج، إذ تُطالب بتحمل تكلفة أكبر لاستضافة القوات الأميركية، في ظل ضغوط داخلية تتعلق بالإنفاق الدفاعي والعلاقات مع الجوار الآسيوي.
قضية سعر الصرف
من النقاط التي قد تثير خلافاً جديداً، نية واشنطن التطرق إلى قضية أسعار الصرف، وسط اتهامات أميركية غير مباشرة لليابان بالتلاعب بعملتها لدعم صادراتها. طوكيو تنفي هذه الاتهامات بشدة، وتعتبر التدخل في هذه المسألة تجاوزاً للحدود الاقتصادية المقبولة.
موقف اليابان
رئيس الوزراء الياباني، شيجيرو إيشيبا، أكد أن بلاده "لن تتسرع ولن تقدّم تنازلات كبيرة"، مما يعكس موقفاً تفاوضياً حازماً، لكنه يحمل في طياته حذراً من انهيار العلاقات الثنائية. كما أشار رئيس السياسات في الحزب الليبرالي الديمقراطي إلى أن طوكيو لن تستخدم حيازاتها الضخمة من سندات الخزانة الأميركية كورقة ضغط، ما يُبرز التزاماً بالحفاظ على الاستقرار المالي بين البلدين.
المفاوضات القادمة بين واشنطن وطوكيو قد تمثل نقطة تحول في العلاقة بين الطرفين. فإذا ما نجحت، قد تُمهّد الطريق لاتفاق جديد يُعيد التوازن إلى العلاقات التجارية والعسكرية. وإن فشلت، فقد يدخل البلدان في مرحلة من الشك المتبادل، تُهدد بتقويض تحالف استراتيجي استمر لعقود.
الأزمة تتجاوز مجرد أرقام ورسوم، فهي تتعلق بإعادة تعريف العلاقة بين حليفين تاريخيين في زمنٍ تسعى فيه القوى الكبرى لإعادة رسم قواعد اللعبة الدولية.