اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

جزر المالديف تحظر دخول الإسرائيليين بسبب أحداث غزة.. قرار سيادي أم مقامرة اقتصادية؟

رئيس المالديف
محمود المصري -

في خطوة لافتة أثارت اهتماماً واسعاً على المستويين الإقليمي والدولي، أعلنت جمهورية المالديف حظر دخول حاملي جواز السفر الإسرائيلي إلى أراضيها، احتجاجاً على ما وصفته بـ"الإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، في سياق الحرب الدامية المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023.

القرار الذي وقّعه الرئيس المالديفي محمد مويزو، جاء تتويجاً لمسار سياسي بدأ بتوصية من مجلس الوزراء في يونيو 2024، وانتهى بإقرار برلماني وتعديل رسمي في قانون الهجرة. ويُعد هذا الحظر سابقة قانونية في الأرخبيل السياحي، إذ ينص بشكل صريح على منع دخول الزوار من حاملي الجوازات الإسرائيلية، في موقف يُقرأ على أنه تضامن قوي مع القضية الفلسطينية، ورسالة سياسية مباشرة إلى تل أبيب.

الخلفية السياسية والحقوقية للقرار

تأتي هذه الخطوة المالديفية في سياق موجة من الإدانات الدولية ضد إسرائيل، لا سيما بعد أن بلغت حصيلة ضحايا الحرب أكثر من 51 ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال، إضافة إلى 116 ألف مصاب. وتزامن ذلك مع تحركات قانونية وحقوقية بارزة، أبرزها الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، فضلاً عن تقارير صادرة من منظمات حقوقية، منها منظمة العفو الدولية، التي اتهمت إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة.

ومع أن إسرائيل ترفض هذه الاتهامات وتؤكد أنها تتحرك وفق القانون الدولي للدفاع عن نفسها في مواجهة هجوم حركة "حماس"، إلا أن الأرقام الفادحة لحصيلة الضحايا المدنيين تقوّض هذا الطرح في أعين العديد من الدول والمنظمات الدولية.

الموقف الفلسطيني والدولي

رحب المجلس الوطني الفلسطيني بالقرار المالديفي، معتبراً أنه يمثل تضامناً حقيقياً مع الشعب الفلسطيني ويعكس صحوة ضمير عالمي بدأت تتشكل في بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، بل وحتى في بعض العواصم الغربية، ولو بشكل محدود. لكن اللافت أن دولاً تعتمد اعتماداً كبيراً على السياحة، كجزر المالديف، أصبحت اليوم أكثر جرأة في اتخاذ مواقف حادة قد تؤثر مباشرة على اقتصاداتها.

مقامرة محسوبة أم تصعيد رمزي؟

تعتمد جزر المالديف اعتماداً جوهرياً على قطاع السياحة الذي يمثل 21% من الناتج المحلي الإجمالي، ويدرّ أكثر من 5.6 مليار دولار سنوياً. وبالتالي، فإن قراراً كهذا يُمكن أن يكون له تداعيات اقتصادية مباشرة، خاصة أن إسرائيل سبق أن أصدرت تحذيراً لمواطنيها بتجنب زيارة المالديف، وهي وجهة سياحية شهيرة لدى النخب الإسرائيلية.

لكن من جانب آخر، يبدو أن حكومة المالديف تراهن على الدعم الشعبي والسياسي من شعوب العالم الإسلامي، وربما على تعويض سياحي من أسواق بديلة مثل دول الخليج وتركيا وماليزيا، في محاولة لجعل القرار يبدو أخلاقياً من دون أن يكون انتحارياً اقتصادياً.

قراءة في رمزية القرار

في ظل عالم تسوده الحسابات الباردة والمصالح الاقتصادية، يُعد قرار المالديف خروجاً عن المألوف. فقد اختارت دولة صغيرة ذات اقتصاد هشّ نسبياً أن تضع موقفها الأخلاقي فوق مصالحها المادية المباشرة، في وقت يشهد فيه العالم الإسلامي والعربي حالة من الاستقطاب والانقسام حيال الأزمة الفلسطينية.

يبقى السؤال مفتوحاً: هل تمثل خطوة المالديف بداية لموجة قرارات مشابهة في دول أخرى؟ أم أنها ستظل مجرد موقف رمزي معزول سيدفع الأرخبيل ثمنه اقتصادياً؟.

الإجابة ستعتمد على مدى تصاعد الحرب أو انحسارها، وعلى قدرة الفلسطينيين والداعمين لهم على الحفاظ على الزخم السياسي والحقوقي الذي تشكّل في أعقاب المجازر في غزة.