اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

وزير الدفاع السعودي في طهران لإعادة هندسة العلاقات مع إيران

وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان
محمود المصري -

في خطوة وُصفت بأنها ذات دلالات سياسية وأمنية عميقة، وصل وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، إلى العاصمة الإيرانية طهران، الخميس، في زيارة رسمية مفاجئة تمّت وفق "توجيه من القيادة"، كما ذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس". وتعد هذه الزيارة هي الأرفع مستوى لمسؤول عسكري سعودي إلى إيران منذ عقود، وتأتي في سياق متسارع من محاولات الجانبين لإعادة صياغة العلاقة الثنائية بعد سنوات من الخصومة الحادة.

سياق إقليمي مشحون

تأتي هذه الزيارة في وقت يشهد فيه الإقليم تصعيداً غير مسبوق في التوترات الجيوسياسية، لا سيما بعد تداعيات الحرب في غزة، وتصاعد مخاوف اندلاع صراع مباشر بين إسرائيل وإيران، فضلاً عن تحركات أمريكية وتحالفات عسكرية متجددة في المنطقة. وفي قلب هذه المعادلة، تلعب السعودية دوراً محورياً، سواء من خلال علاقاتها المتجددة مع طهران، أو في إطار تحالفاتها التقليدية مع واشنطن والعواصم الغربية.

من الخصومة إلى الحوار

العلاقات السعودية-الإيرانية مرت بمنعطفات حادة منذ الثورة الإيرانية عام 1979، لكن الخصومة بلغت ذروتها بعد الهجوم على السفارة السعودية في طهران عام 2016 وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. إلا أن العام 2023 شهد اختراقاً غير مسبوق حين أعلنت الصين نجاح وساطتها بين البلدين، ما أسفر عن استئناف العلاقات الدبلوماسية في خطوة قوبلت بترحيب دولي.

زيارة وزير الدفاع السعودي تمثل، من زاوية رمزية، انتقال الحوار إلى مستوى أمني وعسكري، وهو مؤشر على محاولة بناء جسور الثقة في الملفات الأكثر حساسية، مثل أمن الخليج، واليمن، وملف الميليشيات المدعومة من إيران، خاصة في العراق وسوريا ولبنان.

دلالات أمنية واستراتيجية

الملفت في توقيت الزيارة أنها جاءت في وقت يتزايد فيه الحديث عن احتمال نشوب صراع أوسع في الشرق الأوسط. ومن شأن فتح قنوات تنسيق أمني بين الرياض وطهران أن يُخفف من احتمالات التصعيد غير المقصود، ويؤسس لمعادلة ردع جديدة تقوم على إدارة التوتر، لا على كسره.


كما تحمل الزيارة رسالة ضمنية إلى واشنطن وتل أبيب مفادها أن الرياض تملك هامشاً مستقلاً في التعاطي مع طهران، وأنها تسعى لحماية أمنها الإقليمي من خلال أدوات الحوار والدبلوماسية إلى جانب التحالفات العسكرية التقليدية.

ملفات على الطاولة

بحسب المصادر الرسمية، فإن المحادثات تشمل "بحث العلاقات الثنائية ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك"، وهي صيغة دبلوماسية تشمل غالباً ملفات اليمن، وأمن الملاحة في الخليج، والموقف من الميليشيات المسلحة، ومستقبل التطبيع في المنطقة، وحتى البرنامج النووي الإيراني.
ومن المرجح أن تكون الرياض قد نقلت أيضاً هواجسها بشأن أي ردود إيرانية محتملة في حال تصعيد إسرائيلي-إيراني مفتوح، خاصة إذا كانت الأراضي السعودية مهددة بأي شكل من أشكال الرد أو الإرتداد العسكري.

زيارة الأمير خالد بن سلمان إلى طهران ليست مجرد زيارة بروتوكولية، بل هي مؤشر على مسار جديد تحاول السعودية رسمه في علاقتها مع إيران، يقوم على الانفتاح والحوار الحذر، دون التفريط بمصالحها الاستراتيجية أو تحالفاتها التقليدية. ما إذا كانت هذه الزيارة ستثمر عن تفاهمات أمنية ملموسة، أم أنها مجرّد محطة في طريق طويل من الاختبار المتبادل، هو ما ستكشفه الأسابيع المقبلة.