أحمد الشرع في قائمة ”تايم 100”.. من قائد متشدد إلى فاعل سياسي يُغيّر ملامح سوريا

في تطور يعكس تحولاً جذرياً في المشهد السوري، اختارت مجلة تايم الأميركية القائد السوري أحمد الشرع ضمن قائمتها السنوية لأكثر 100 شخصية تأثيراً في العالم لعام 2025، في فئة القادة. وجاء إدراجه تتويجاً لدوره المحوري في إسقاط نظام بشار الأسد، وفي إعادة رسم معادلات السلطة والنفوذ في شمال غربي سوريا، بعد أكثر من عقد من الصراع الدامي.
ووصفت تايم الشرع بأنه "شخصية محورية في التحولات السياسية الأخيرة"، مشيرةً إلى قدرته على التوازن بين أطياف متناقضة من السوريين: من المتشددين الذين قادهم في السابق، إلى الليبراليين الذين تنفسوا الصعداء مع سقوط الأسد. وتلك القدرة على المناورة بين الضدين، كما ترى المجلة، تشكل عنصراً أساسياً في صعوده كفاعل سياسي غير تقليدي.
وعي سياسي
الشرع، الذي قاد لفترة فصيلاً جهادياً يُعرف بـ"هيئة تحرير الشام" والمصنَّف دولياً منظمة إرهابية، استطاع أن يعيد توجيه بوصلته في خضم حرب معقدة، فانتقل من موقع التحالف مع تنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش"، إلى مواجهتهما عسكرياً، في محاولة لتثبيت سلطته وتأمين طاعته من المقاتلين الذين تأرجحت ولاءاتهم بين المشاريع المتطرفة. هذا التحول لم يكن مجرد استجابة لتغيرات ميدانية، بل يعكس -بحسب تحليل المجلة- وعياً سياسياً متقدماً بأن النصر على الأسد لن يكون كافياً دون شرعية سياسية مقبولة محلياً وإقليمياً.
وقد أدرك الشرع أن القوة المسلحة وحدها لا تكفي، فشرع في بناء "دويلة أمر واقع" في شمال غربي سوريا، تتسم بطابع ديني محافظ، ولكنها تسعى –وفق تايم– إلى إظهار قدر من الانفتاح، خاصة في التواصل مع الأقليات الدينية، وتوفير نوع من الخدمات والبنية الإدارية التي غابت طويلاً في مناطق النزاع.
دور تركي حاسم
الدور التركي كان حاسماً في صعود الشرع؛ إذ حصل على دعم أنقرة في لحظة توازن حرجة، مما وفر له غطاءً سياسياً وعسكرياً للتحرك بثقة أكبر في مواجهة الأسد. ومع نهاية عام 2024، وبعد معارك ضارية وتفاهمات مع فصائل سورية أخرى، نجح الشرع في الإطاحة بالحكومة المركزية في دمشق، في خطوة وُصفت بأنها لحظة "انكسار رمزية" للنظام الذي حكم سوريا بقبضة أمنية طيلة نصف قرن.
الملف التعريفي للشرع في تايم 100 كتبه السفير الأميركي السابق لدى سوريا، روبرت فورد، الذي كان شاهداً على بدايات الثورة السورية وسنواتها الأكثر دموية. فورد، الذي انتقد في السابق التقارب الأميركي مع بعض الفصائل الإسلامية، قدَّم في مقاله عرضاً متوازناً لصعود الشرع، دون التغاضي عن ماضيه الحافل بالتحالفات المثيرة للجدل، لكنه سلّط الضوء في المقابل على قدرته على التكيف والتخلي عن خطاب الجهاد لصالح خطاب سياسي أكثر براجماتية.
تحوّلات مقلقة
صعود أحمد الشرع يطرح تساؤلات عميقة حول طبيعة التحولات التي تشهدها سوريا بعد الأسد. فهل يمثل الشرع مرحلة انتقالية نحو الاستقرار، أم أنه يُعيد إنتاج شكل آخر من السلطوية المغلّفة بلغة دينية محافظة؟ وكيف ستتعاطى القوى الدولية مع زعيم خرج من رحم التمرد الإسلامي، لكنه بات اليوم رقماً صعباً في المعادلة السياسية؟.
الشرع يشكل نموذجاً جديداً في الشرق الأوسط: قائد عسكري سابق، بملف أمني ثقيل، يتحول إلى فاعل سياسي يجد نفسه مجبراً على التفاوض مع الداخل والخارج. وهنا يكمن التحدي الأكبر، ليس فقط للشرع، بل لسوريا بأكملها، وهي تبحث عن بداية جديدة وسط ركام عقدين من الدم والانهيار.