تحوّلات حذرة.. سياسة ترامب الجديدة تجاه سوريا

في تحوّل لافت في الموقف الأميركي تجاه سوريا، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن توجه إدارة الرئيس دونالد ترامب لاعتماد نهج أكثر تشددًا تجاه الحكومة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، ربطًا بجملة من المطالب السياسية والأمنية مقابل تخفيف جزئي للعقوبات الأميركية المفروضة على دمشق.
شروط أميركية مشروطة بـ"انفتاح محدود"
وفقًا لما نقلته الصحيفة عن مسؤولين أميركيين مطلعين، فقد صدرت مؤخرًا توجيهات سياسية من البيت الأبيض تدعو الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات محددة، من أبرزها:
قمع الجماعات المتطرفة داخل البلاد.
طرد الفصائل الفلسطينية المسلحة ومنعها من جمع التبرعات أو النشاط داخل الأراضي السورية.
تأمين مخزون الأسلحة الكيميائية والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
تأمين اليورانيوم عالي التخصيب.
تعيين منسق للعمل على كشف مصير 14 أميركيًا مفقودًا في سوريا.
إصدار إعلان عام ضد الإرهاب والتطرف.
في المقابل، تدرس الإدارة الأميركية تقديم تخفيف محدود للعقوبات، وربما تجديد الإعفاءات الإنسانية التي كانت إدارة بايدن قد أقرتها لتسريع تدفق المساعدات.
غياب ذكر روسيا.. مؤشر على أولويات جديدة
اللافت أن التوجيهات الأميركية لم تتطرق إلى الدور الروسي في سوريا، وهو ما رأت فيه الصحيفة مؤشراً على تخفيف الضغوط السابقة التي مارستها إدارة بايدن، التي كانت تُطالب دمشق بإغلاق القواعد الروسية.
ويُفسَّر هذا الغياب في سياق التفاوض الجاري بين واشنطن وموسكو بخصوص الحرب في أوكرانيا، حيث يبدو أن إدارة ترامب تسعى لضبط الساحات المتداخلة وعدم إثارة التوتر مع الكرملين في سوريا مؤقتًا.
البنتاغون يبدأ الانسحاب
بالتزامن مع هذه التوجهات السياسية، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن بدء الولايات المتحدة سحب مئات الجنود من شمال شرق سوريا، وإغلاق ثلاث قواعد صغيرة من أصل ثماني قواعد أميركية في المنطقة، ما يخفض عدد القوات من نحو 2000 إلى 1400 جندي.
وبحسب مصدرين رسميين، فإن التقييم النهائي خلال 60 يومًا سيُحدد إمكانية تقليص أكبر، مع الإبقاء على ما لا يقل عن 500 جندي لدعم "قسد" ومهام مكافحة الإرهاب، وخاصة ضد تنظيم "داعش".
رسائل مزدوجة
السياسة الجديدة تعكس مزيجًا معقدًا من:
الضغط السياسي والأمني على الحكومة السورية الجديدة.
مراعاة التوازنات الإقليمية والدولية في ضوء المفاوضات مع روسيا.
رغبة داخلية في تقليص الحضور العسكري الأميركي في الشرق الأوسط.
وتعكس أيضًا توجهاً "براجماتياً" من قبل القادة العسكريين الأميركيين الذين لعبوا دورًا في اتفاق دمج قوات "قسد" مع الحكومة المركزية، في خطوة تعزز استقرار نسبي بدون تصعيد مباشر.
مهمة سرية لنواب جمهوريين
وفي سياق متصل، يُتوقع أن يزور نائبان جمهوريان بارزان سوريا قريبًا، هما كوري ميلز ومارلين ستاتزمان، رغم أن الزيارة غير مدعومة رسميًا من وزارة الخارجية أو الدفاع. وتُعتبر هذه الزيارة، وفق مصادر إعلامية أميركية، مؤشرًا على محاولة بعض أعضاء الكونغرس فتح قنوات حوار مباشرة مع دمشق في ظل غموض الموقف الرسمي من استئناف العلاقات.
بين تقليص الوجود العسكري، وتكثيف المطالب السياسية، وفتح قنوات اتصال غير رسمية، تبدو واشنطن في عهد ترامب بصدد إعادة رسم علاقتها مع سوريا وفق أولويات جديدة. سياسة تحاول تحقيق المكاسب بأقل تكلفة عسكرية، لكنها تضع دمشق أمام اختبار صعب للانفتاح دون تفريط بالسيادة أو الحلفاء التقليديين.