تسريب خطير يكشف خطط إسرائيلية لضرب النووي الإيراني

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، في تقرير أثار عاصفة من الجدل، أن إسرائيل درست بجدية خيار شن ضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية، في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني على أراضيها في أكتوبر 2023. ووفقًا لمصادرها، فإن هذه الخطة حظيت بدعم نظري من كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين، الذين أعربوا عن ثقتهم في قدرة الجيش على تنفيذ هجوم ناجح، حتى داخل أعماق المنشآت النووية الإيرانية.
غير أن التقرير أوضح أن تنفيذ هذه العملية كان مشروطًا بالحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة، وهو ما لم يتحقق. ورغم وجود سيناريوهات مطروحة لهجوم مشترك، تتضمن استخدام سلاح الجو الإسرائيلي وقوات كوماندوز مدعومة أميركيًا، فإن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب كانت منقسمة بشأن هذه الخطط. فقد عارض العديد من مسؤولي الإدارة هذا الخيار، خشية أن يؤدي إلى حرب مفتوحة تجر واشنطن إلى مواجهة شاملة في الشرق الأوسط، وفضلوا السعي لاتفاق دبلوماسي مع طهران.
جدل داخلي وتساؤلات عن التسريب
أثار تسريب تفاصيل هذه الخطة، الذي نشر يوم الخميس، عاصفة داخل إسرائيل. فقد وصف مسؤول إسرائيلي كبير -لم يُكشف اسمه- التقرير بأنه "أحد أخطر التسريبات في تاريخ إسرائيل"، وفقًا لصحيفة جيروزاليم بوست. ويأتي هذا التقييم في ظل ما يمثله التسريب من تهديد استراتيجي، نظرًا لأنه يكشف عن قدرات إسرائيلية حساسة وخطط عسكرية محتملة ضد عدو إقليمي رئيسي.
في ذات السياق، وجّه عدد من السياسيين الإسرائيليين، بمن فيهم وزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان، انتقادات لاذعة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، متهمين إياه بالوقوف وراء هذا التسريب كتكتيك سياسي للهروب من الانتقادات الموجهة إليه بشأن فشله في اتخاذ موقف حازم تجاه التهديد الإيراني. وكتب ليبرمان على منصة "إكس" (تويتر سابقاً): "قرأت التسريب بالكامل، وفكرت كم كنا محظوظين لأن نتنياهو لم يكن رئيساً للوزراء حين قصفنا مفاعلي سوريا والعراق".
السرية والتوقيت
اللافت في التقرير أن القدرات الإسرائيلية على استهداف منشآت نووية تحت الأرض لم تُعلَن للعامة إلا في يناير 2025، وهو ما يجعل تسريب خطط استهداف إيران – في هذا التوقيت بالذات – شديد الحساسية من الناحية الأمنية والسياسية، خاصة في ظل التصعيد الإقليمي والتوترات المستمرة في ملف البرنامج النووي الإيراني.
انقسام عميق داخل إسرائيل
التقرير يسلّط الضوء على الانقسام العميق داخل إسرائيل والولايات المتحدة بشأن كيفية التعامل مع التهديد النووي الإيراني. فمن جهة، تسعى إسرائيل إلى إبقاء الخيار العسكري مطروحًا كوسيلة ردع فعالة، بينما تميل واشنطن، أو على الأقل بعض مؤسساتها، إلى تبنّي الحلول الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية، تفاديًا لصراع عسكري واسع النطاق.
كما يكشف التسريب أيضًا عن الدور المتنامي للإعلام في التأثير على الأمن القومي والسياسات الاستراتيجية، إذ أن مجرد الكشف عن مثل هذه الخطط يمكن أن يُفقد إسرائيل عنصر المفاجأة، ويُدخل المنطقة في دوامة من الاستعدادات والردود الاستباقية.
في ضوء ما سبق، يعكس تسريب خطة محتملة لضرب المنشآت النووية الإيرانية تعقيد الحسابات السياسية والأمنية في إسرائيل، لا سيما في ظل الانقسامات الداخلية والضغوط الإقليمية المتصاعدة. وبينما تحذر بعض الأصوات من خطورة هذا النوع من التسريبات على الأمن القومي، يرى آخرون أنها تكشف عن استخدام الملفات الاستراتيجية كسلاح في المعارك السياسية الداخلية. وفي كل الأحوال، تبقى إيران ومشروعها النووي في صلب الصراع الإقليمي، حيث تتقاطع خطوط القوة والمخاوف والمصالح بين تل أبيب وواشنطن وطهران.