اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

ترامب والعقوبات الروسية.. بين صفقة كبرى وساحة اختبار للنفوذ الغربي

ترامب وبوتين
محمود المصري -

في وقت تتزايد فيه المؤشرات على أن العالم قد يكون أمام مفترق طرق في الحرب الأوكرانية، تبرز إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعرضٍ قد يُعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي والاقتصادي: تخفيف العقوبات عن روسيا مقابل تسوية سلام. خطوة محفوفة بالاحتمالات والتناقضات، تجمع ما بين منطق الصفقات ومخاطر خلط أوراق التحالفات التقليدية.


منذ بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها آلاف العقوبات على موسكو بهدف كبح آلة الحرب الروسية وشلّ قدراتها الاقتصادية. وقد شملت العقوبات قطاعات المال والطاقة والدفاع، مع تجميد أصول سيادية وفرض سقف سعري على النفط. إلا أن هذه الإجراءات، رغم شدتها، لم تؤدِ إلى الانهيار المتوقع للاقتصاد الروسي، بل دفعت الكرملين لإعادة تموضع استراتيجي باتجاه التصنيع الحربي، وتعزيز العلاقات مع شركاء جدد، أبرزهم الصين والهند.


في هذا السياق، يطرح ترامب رؤيته من منطلق مغاير لسلفه بايدن، تقوم على فكرة التفاوض المباشر مع روسيا تحت شعار "السلام مقابل تخفيف العقوبات". فقد لمح إلى إمكانية تخفيف بعض القيود الاقتصادية، وهدد في الوقت نفسه بفرض رسوم إضافية على مشتري النفط الروسي كأداة ضغط للتوصل إلى اتفاق. إلا أن موقفه ظل متقلباً: ففي غضون ساعات، انتقل من التلويح بالعقاب إلى الإشادة ببوتين و"احترامه لكلمته".

بين الصلاحيات الرئاسية والتعقيدات التشريعية


ترامب يملك، نظرياً، القدرة على رفع أكثر من 90% من العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا عبر أوامر تنفيذية، لكنه يصطدم بواقع تشريعي أكثر تعقيداً. فبعض العقوبات بات خاضعاً لقوانين تُلزم الرئيس بإخطار الكونغرس، بل وتتيح له عرقلتها إذا حصل قرار الرفع على أغلبية ثلثي المجلسين. كما أن بايدن، في أواخر ولايته، سارع إلى إعادة تصنيف عدد من الكيانات الروسية المهمة مثل "غازبروم نفط" ضمن نظام أكثر صرامة يصعّب على ترامب تغيير الوضع القانوني لها بمفرده.
وبينما يراهن ترامب على دعم الجمهوريين، فإن مواقف العديد من المشرّعين من حزبه، الذين دعموا أوكرانيا بقوة، قد تضعهم في مأزق سياسي إذا طُلب منهم تأييد تخفيف العقوبات دون ضمانات واضحة لوقف الحرب.

الساحة الأوروبية.. بين التنسيق والتوجّس


رغم محورية الدور الأمريكي، فإن فعالية العقوبات تعتمد بدرجة كبيرة على تنسيق غربي واسع، خاصة مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. وقد بلغت نسبة التداخل بين العقوبات المفروضة من هذه الجهات نحو 80% حتى أبريل 2025. إلا أن أي قرار أحادي من واشنطن بالانسحاب من هذا التنسيق، قد يضعف المنظومة بالكامل، ويخلق شبكة متشابكة من القيود تُربك الشركات والمستثمرين.
الاتحاد الأوروبي أبدى، في قمته الأخيرة، رفضاً قاطعاً لأي تخفيف للعقوبات دون مقابل واضح. بل إن مسؤولين أوروبيين لمحوا إلى إمكانية تشديد العقوبات، ليس فقط لكبح موسكو، بل لحجز موقع فاعل لهم على طاولة المفاوضات التي تحاول إدارة ترامب قيادتها منفردة.

عودة السوق الروسية؟ رهان محفوف بالمخاطر


في الأوساط المالية، بدأ الحديث يدور عن احتمالات "العودة إلى روسيا" إذا ما تم التوصل إلى سلام شامل. قبل الحرب، كانت السوق الروسية تمثل أحد أبرز أسواق السندات والأسهم الناشئة، بملكية أجنبية قاربت 150 مليار دولار. إلا أن هذه الأصول جُمّدت أو فُقدت، وتحولت روسيا إلى سوق "منبوذة" يصعب الاقتراب منها دون تداعيات قانونية وسمعية.
عودة الأصول الروسية إلى التداول الدولي ستتطلب سلسلة من الخطوات، تبدأ برفع العقوبات عن البنوك، وتستمر بموافقة شركات التسوية الأوروبية، وإعادة إدراج الأسهم في المؤشرات المالية الكبرى، وهي عملية قد تستغرق سنوات، وتبقى مرهونة بالمواقف الأوروبية لا الأمريكية فقط.


مفارقات اللحظة.. مصالح اقتصادية أم رهانات استراتيجية؟


يبدو أن ترامب ينظر إلى الأزمة الأوكرانية باعتبارها فرصة لإعادة صياغة العلاقة مع موسكو، ليس فقط من منظور استراتيجي بل اقتصادي أيضاً. فقد أعلن أنه ناقش مع بوتين "صفقات كبرى" لتحفيز الاقتصاد الأمريكي. إلا أن هذا المنظور يتجاهل تعقيدات عميقة، من بينها استياء الحلفاء الأوروبيين، والشكوك العميقة في نوايا الكرملين، واحتمالات انهيار أي اتفاق في غياب آلية موثوقة للضمان والتنفيذ.
في ظل كل هذه المعطيات، يبقى التساؤل مطروحاً: هل سيكون تخفيف العقوبات ورقة رابحة لتحقيق السلام، أم خطوة محفوفة بالمخاطر تعمّق الانقسام داخل الغرب وتمنح موسكو متنفساً استراتيجياً؟ الجواب سيتحدد ليس فقط بما يقرره ترامب، بل أيضاً بمدى صلابة النظام الدولي وقدرته على فرض التوازن بين المبادئ والمصالح.