”50501”.. أمريكا الغاضبة تُواجه ترامب بشبكات المقاومة.. احتجاجات لامركزية تتحدى سياسات النخبة

في مشهد يعكس تصاعد الرفض الشعبي لسياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شهدت العاصمة واشنطن وعشرات المدن الأمريكية الأخرى، السبت، موجة احتجاجات جديدة ضمن حراك متنامٍ أطلق على نفسه اسم "50501"، في إشارة إلى تنظيم خمسين فعالية احتجاجية في الولايات الخمسين، بوصفها جسداً واحداً متكاملاً في وجه ما يُنظر إليه على أنه تهديد للديمقراطية والمجتمعات الهشّة في البلاد.
من "ريديت" إلى الشارع.. التنظيم بلا مركزية ولا ميزانية
تتميز حركة "50501" بطابعها الشعبي، اللامركزي، والعابر للأيديولوجيات الحزبية، حيث ولدت من رحم التفاعل الرقمي، وتحديداً على منصة "ريديت"، لتتحول بسرعة إلى كيان احتجاجي نشط، قادر على تنظيم مئات الفعاليات في فترة قصيرة، دون هيكل تنظيمي أو تمويل مركزي.
الحركة، التي تنتمي إلى موجة أوسع من الحراك المدني الأمريكي، تُعلن صراحة على موقعها الإلكتروني أنها تقاوم ما تصفه بـ"حكومة الأثرياء"، وتحذر من أن سياسات ترامب تمزّق النسيج الديمقراطي، وتقوض الحريات المدنية وسيادة القانون. وتضيف: "لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تُفكّك حكومتنا بأيدي النخبة السياسية والاقتصادية".
شبكات مقاومة بدلاً من الخوف
لكن "50501" ليست مجرد مظاهرات في الشارع. فالمحتجون يسعون إلى بناء شبكات دعم اجتماعي ومجتمعي تعمل بالتوازي مع الاحتجاجات. وتشمل هذه الشبكات أنشطة متنوعة مثل حملات التبرع بالغذاء، وتبادل الملابس، وتنظيف الأحياء، وتنظيم لقاءات حوارية لمناقشة آليات التحرك المستقبلي. ويعكس هذا التوجه تحوّلاً في شكل الاحتجاج الأمريكي، من الغضب اللحظي إلى "بناء المقاومة من القاعدة" على المدى الطويل.
أحد المتظاهرين بالقرب من البيت الأبيض لخّص فلسفة الحراك بقوله: "بينما تمضي إدارة ترامب قدماً في توسيع آلة الترحيل، سنواصل نحن بناء أنظمة لحماية جيراننا، ولن نترك أحداً وحده في الميدان".
لا تقتصر انتقادات "50501" على ملف الهجرة أو الترحيل، بل تمتد إلى رفضٍ شامل لما يعتبرونه محاولات لتقليص دور الحكومة الفيدرالية، وتحويلها إلى أداة لخدمة الأغنياء. وقد شملت الشعارات الاحتجاجية انتقادات لمشاركة إيلون ماسك في السياسات الحكومية، والدور المتزايد لما سُمي بـ"وزارة الكفاءة الحكومية" التي يُنظر إليها كمحاولة لإضعاف البيروقراطية الأمريكية وتقليص الخدمات العامة الأساسية.
وفي بيان صريح على الموقع الرسمي، كتب منظمو الحركة: "نريد أمريكا يسود فيها التعاطف والتعاون، لا الاستقطاب والكراهية. التظاهر مهم، لكن بناء التضامن أكثر أهمية على المدى الطويل".
جذور الأزمة.. وسياسات ترامب المستمرة
تأتي هذه الموجة الجديدة من الاحتجاجات في سياق تصاعد الاستقطاب السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة. فرغم مغادرة ترامب للبيت الأبيض، ما تزال العديد من سياساته تُمثّل نقطة احتكاك في الشارع الأمريكي. سياسات الهجرة، والعدالة الاجتماعية، وحقوق الأقليات، وتمويل الخدمات العامة، كلها قضايا أشعلت التظاهرات. ويبدو أن "50501" تمثل استجابة شعبية لمحاولة "استعادة" الدولة من قبضة النخبة، على حد تعبيرهم.
وفي 5 فبراير، تمكن ناشطون من تنظيم أول احتجاجات واسعة في جميع الولايات الأمريكية دون أي دعم خارجي، مما أظهر قدرة الحراك على التمدد الأفقي، والوصول إلى عمق الأحياء والمجتمعات، في تجربة تشبه "احتلال وول ستريت"، لكنها أكثر تنظيماً وارتباطاً بالشبكات المحلية.
هل ينجح "50501" في إعادة تشكيل المشهد السياسي؟
رغم افتقار الحركة لقيادة مركزية، إلا أن اتساعها الجغرافي وتنوع أدواتها يعطيها فرصة فريدة للتأثير في المدى الطويل. فنجاحها لا يُقاس فقط بعدد المشاركين أو التغطية الإعلامية، بل بقدرتها على خلق وعي جماعي جديد، يُعيد تعريف ما يعنيه "أن تكون مواطناً في أمريكا".
الحراك لا يطرح نفسه بديلاً عن المؤسسات، لكنه يحاول أن يُجبرها على التغيير، عبر ضغط من الأسفل إلى الأعلى، وبناء ما يسميه منظموه بـ"الديمقراطية التشاركية".