كاتب إسرائيلي: شرق أوسطهم الجديد تطبيع بلا عدالة

في مقال نشرته جيروزاليم بوست للكاتب الإسرائيلي نيفيل بيرمان تحت عنوان: "التطبيع مع السعودية يصب في مصلحة الرياض"، يمكن تتبّع ملامح "الشرق الأوسط الجديد" الذي يسعى بنيامين نتنياهو ودوائر صنع القرار في تل أبيب إلى ترسيخه، مستندًا إلى فرضية أن انضمام السعودية إلى اتفاقيات أبراهام سيكون بمثابة تدشين لعصر جديد في المنطقة، عنوانه "السلام والازدهار". لكن، أي سلام؟ وعلى حساب من يكون هذا الازدهار؟.
فكرة قديمة بثوب جديد
يستند الكاتب إلى مقولة الرئيس الفرنسي شارل ديغول "ليس للدول أصدقاء بل مصالح"، ليُسوّغ ما يسميه تقارب المصالح بين الرياض وتل أبيب. يبدأ بسرد تاريخي عن تأسيس المملكة العربية السعودية، متتبعًا كيف تمكّن الملك عبد العزيز آل سعود من توحيد الجزيرة العربية ثم إنقاذها اقتصاديًا من الإفلاس من خلال صفقة مع شركة "سوكال" الأمريكية للتنقيب عن النفط، بتوصية من المستعرب البريطاني "جاك فيلبي" أو "الشيخ عبد الله" لاحقًا، الذي تبيّن لاحقًا أنه كان موظفًا لدى الشركة المستفيدة.
الغاية من هذا السرد ليست بريئة، بل ترمي إلى تشبيه لحظة الحسم في ثلاثينيات القرن الماضي بلحظة مفترضة الآن، يُفترض أن يقودها محمد بن سلمان هذه المرة، ويكون فيها نتنياهو "فيلبي العصر"، الذي يعرض على السعودية صفقة جديدة: ليست نفطية، بل استراتيجية... مع إسرائيل.
وعد الازدهار على الطريقة الإسرائيلية
يعرض بيرمان، بلهجة لا تخلو من الغطرسة، قائمة بالإغراءات التي تزعم أن التطبيع مع إسرائيل يخدم رؤية 2030 السعودية، ويحقق لها انتقالًا سلسًا من اقتصاد النفط إلى اقتصاد التنوع والابتكار:
إسرائيل "أمة الشركات الناشئة" وقوة تكنولوجية قادرة على تقديم حلول لمشاكل المياه والزراعة والطاقة.
يمكنها تقديم ممر بديل لتصدير النفط السعودي من إيلات إلى البحر الأبيض المتوسط، لتجنب المخاطر الإيرانية.
لا توجد نزاعات حدودية بين إسرائيل والسعودية، ما يجعل العلاقة أكثر استقرارًا من غيرها.
يمكن للطرفين بناء تحالف أمني وتقني واقتصادي في وجه إيران وتركيا، وتقديم نموذج جديد للمنطقة.
التطبيع مشروط.. لا دولة للفلسطينيين
لكن الكاتب لا يلبث أن يكشف المضمون الحقيقي للمشروع: لا مكان للدولة الفلسطينية في هذا الشرق الأوسط الجديد، بل على السعوديين إبلاغ الفلسطينيين صراحةً بأنهم لن يكونوا "عائقًا أمام التقدم إلى الأبد".
فهو يقترح، بوقاحة سياسية، أن تُمارس السعودية ضغوطًا على الفلسطينيين للتخلي عن حلم الدولة، مستشهدًا بانهيار "لاءات الخرطوم الثلاث" منذ توقيع السادات اتفاق السلام مع إسرائيل.
بل يذهب لأبعد من ذلك حين يطالب السعودية – بصفتها حارسة الحرمين الشريفين – أن تكتسب "شرعيتها" الإقليمية من خلال الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام والتفاوض باسم "العالم الإسلامي"!
ردود عربية وتحذيرات دولية
لم تمر هذه الرؤية دون ردود، فعدد من المحللين والدبلوماسيين عبّروا عن مخاوفهم من هذا النهج التبسيطي لمعادلة معقدة.
الخبير الدولي هارون خان كتب على منصة "إكس" أن الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام لا يعني بالضرورة شرق أوسط مستقر، فالصراع الفلسطيني–الإسرائيلي ما زال قائمًا ويشكل أصل التوترات الإقليمية.
أما المواطن السعودي محمد المهدي، فعلّق ساخرًا: "هل لدى إسرائيل نوايا حسنة فعلاً؟ الإمارات طبّعت ولم نرَ تقدمًا يُذكر لا نريد أن نكون تجربة مكررة".
الوجه الخفي للمشروع.. غزة، إيلات وقناة السويس
وإن لم يصرّح الكاتب صراحةً، إلا أن المتأمل في سياق مشروع "الشرق الأوسط الجديد" يدرك أن ما يجري في غزة من تدمير وتهجير هو مقدمة ضرورية لهذا السيناريو. فكي لا تعود قضية فلسطين إلى واجهة أي تفاوض، يجب إسكات غزة أولًا، ثم تمرير المشروع اقتصاديًا من بوابة الأنابيب إلى إيلات، وربما لاحقًا تقويض أهمية قناة السويس.
في هذا السياق، يتضح أن مشروع "الشرق الأوسط الجديد" ليس إلا محاولة لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة لصالح إسرائيل، تحت عنوان براقي هو "التطبيع والازدهار"، لكنه يخفي في جوهره هندسة إقليمية تتجاهل الحقوق التاريخية، وتستبدل العدالة بالتفاهمات الظرفية.
تطبيع بلا عدالة.. سلام زائف
ما يسوّقه نتنياهو عبر بيرمان ليس جديدًا، بل هو نسخة صهيونية من مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته واشنطن قبل عقدين. لكنه الآن يأتي في لحظة عربية ملتبسة، مستغلًا المتغيرات الاقتصادية، والتحولات الجيوسياسية، والتحديات الأمنية، ليعرض "صفقة قرن" جديدة، لا تقوم إلا على تنازلات فلسطينية، وتطبيع سعودي، وتفوّق إسرائيلي.
لكنه، كما يعلق بعض الحكماء، لا يمكن أن يقوم سلام حقيقي في الشرق الأوسط بينما شعب بأكمله يعيش تحت الاحتلال أو في الشتات. لا سلام مع الظلم، ولا ازدهار على أنقاض غزة.