اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

باكستان وأفغانستان بين شبح الانفجار والانفراج.. تفاهمات أمنية وتجارية

باكستان
محمود المصري -

في لحظة مفصلية من العلاقات المتوترة بين باكستان وأفغانستان، جاءت زيارة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار إلى كابل، لتفتح نافذةً على إمكانية إعادة ضبط بوصلة العلاقة بين البلدين الجارين، بعد شهور من التراشق الإعلامي والاشتباكات الحدودية والتوترات الناتجة عن حملات الترحيل الجماعي للاجئين.


وخلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عُقد في العاصمة الأفغانية، أعلن إسحاق دار عن توصل الجانبين إلى اتفاق حاسم يقضي بعدم السماح باستخدام أراضي أي منهما للقيام بأنشطة غير مشروعة ضد الطرف الآخر، مع التشديد على اتخاذ "أشد الإجراءات صرامة" لضمان تنفيذ هذا التفاهم.


هذا البند الأمني، وإن بدا تقليدياً في اللغة الدبلوماسية، يحمل في طياته رسالة سياسية واضحة من الطرفين: إن استمرار التوترات عبر الحدود، واتهامات باكستان لأفغانستان بإيواء جماعات مسلحة مسؤولة عن هجمات داخل أراضيها، لم تعد مقبولة دون رد أو تفاهم مباشر.


تسهيل التجارة.. أداة للتهدئة


إضافةً إلى الملف الأمني، شهد اللقاء تحركات ملموسة على صعيد تعزيز التعاون الاقتصادي، حيث تقرر تشغيل نظام تتبع وتعقب للبضائع عبر الحدود بدءاً من يونيو المقبل، وتنظيم معارض تجارية وتبادل وفود اقتصادية بشكل منتظم، وهي خطوات تهدف إلى تخفيف الاحتقان وتعزيز المصالح المتبادلة.
وتأتي هذه التحركات في ظل إدراك الطرفين بأن الاستقرار الاقتصادي قد يكون مفتاحاً للاستقرار الأمني، خاصة أن المناطق الحدودية بين البلدين لطالما كانت مسرحاً للنشاطات غير النظامية وتهريب البضائع، وهي أيضاً بيئة خصبة لتجنيد العناصر المتشددة.

أزمة اللاجئين.. جرح مفتوح


لكن رغم أجواء التفاهم، لا تزال قضية اللاجئين الأفغان تمثّل أحد أكثر الملفات حساسيةً في العلاقات بين البلدين. فبحسب بيانات حديثة، تم ترحيل أكثر من 84 ألف أفغاني من باكستان خلال أسبوعين فقط، بينهم ما يقرب من 50 ألف طفل، يعاني كثير منهم من انفصال عن ذويهم أو من ظروف معيشية وصحية شديدة الخطورة عند العودة.


وحذّرت منظمات إنسانية، وعلى رأسها "أنقذوا الأطفال"، من أن هذه العودة "الفوضوية وغير الآمنة" تُعرض الأطفال لأمراض معدية، كالإسهال والتهابات الجهاز التنفسي، وتُفاقم خطر الاستغلال والانتهاكات. هذه التحذيرات أثارت قلقاً حتى داخل الأوساط الأفغانية، حيث عبّر وزير خارجية "طالبان" بالإنابة عن أسفه حيال هذه الأوضاع، خلال الاجتماع مع نظيره الباكستاني.


زيارة تحمل رمزية مضاعفة


ما يضفي طابعاً استثنائياً على زيارة دار إلى كابل، أنها أول زيارة رسمية رفيعة المستوى من باكستان منذ استيلاء "طالبان" على الحكم في 2021. وقد جاءت في توقيت بالغ الحساسية، وسط اشتباكات متكررة على الحدود، واتهامات متبادلة، وقلق دولي من تمدد الجماعات المسلحة في مناطق النفوذ الهشة.
ورغم ما رافق الزيارة من عبارات ودية – كتشبيه العلاقة بين البلدين بـ"الأخوة"، كما قال دار – فإنها تعكس في عمقها محاولة لاحتواء أزمة متعددة الأوجه: أمنية، إنسانية، واقتصادية.


بين الواقع والنوايا.. هل تصمد التفاهمات؟

التفاهمات التي أُعلنت تحمل الكثير من الأمل، لكنها تصطدم بواقع أكثر تعقيداً. فعدم وجود اعتراف رسمي بحكومة "طالبان" من معظم دول العالم، يُعقّد من فرص تفعيل الاتفاقات طويلة الأمد. كما أن استمرار الترحيل القسري للاجئين، وغياب بنية تنموية قوية في أفغانستان قادرة على استيعاب العائدين، يجعلان من تلك التفاهمات أقرب إلى "هدنة مؤقتة" من كونها مساراً مستداماً للسلام الإقليمي.
ويبقى التحدي الأبرز في تحويل هذه التفاهمات من وعود معلنة إلى سياسات قابلة للتنفيذ، في ظل غياب الثقة المزمن بين الطرفين، والانقسام السياسي الداخلي، وضغوط الجماعات المتطرفة.