اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الاتحاد الأوروبي في مواجهة عمالقة التكنولوجيا.. صراع السيادة الرقمية بين بروكسل وواشنطن

الاتحاد الأوروبي
محمود المصري -

في مشهد متصاعد من التوتر بين أوروبا وشركات التكنولوجيا الكبرى ذات النفوذ العالمي، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي لن يتهاون في تطبيق لوائحه الرقمية، بغضّ النظر عن جنسية الشركات أو ارتباطاتها السياسية.
وفي تصريحاتها المكتوبة لصحيفة "بوليتيكو"، شددت على أن بروكسل تطبّق القوانين التي أقرها البرلمان الأوروبي، من أجل "حماية الناس"، على حد تعبيرها.


هذا التصريح جاء في سياق حملة قضائية أطلقتها المفوضية ضد عدد من عمالقة التكنولوجيا، من بينهم "تيك توك"، "إكس" (تويتر سابقًا)، "أبل"، و"ميتا"، في إطار تطبيق قوانين مثل "قانون الأسواق الرقمية" (DMA)، و"قانون الخدمات الرقمية" (DSA)، وهي حزمة تنظيمية تهدف إلى ضمان الشفافية، ومكافحة التضليل، وحماية المستخدمين من الهيمنة التقنية.

الصراع بين السيادة الرقمية وحرية الابتكار

القوانين الأوروبية، رغم أنها تحمل أهدافًا حمائية وتنظيمية مشروعة، أصبحت محط انتقاد شرس من قبل عدد من الشخصيات البارزة في الإدارة الأمريكية الحالية، وعلى رأسهم جي دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصف هذه التشريعات بأنها تُقيد حرية التعبير وتخنق الابتكار.

وفي تطور خطير، ربط فانس بين هذه القوانين ومصير تحالف الناتو نفسه، مُهددًا بانسحاب الولايات المتحدة من الحلف إذا استمر الاتحاد الأوروبي في فرض قوانينه الرقمية على الشركات الأمريكية. هذا الربط السياسي بين الأمن والدفاع من جهة، والسياسات التقنية والرقمية من جهة أخرى، يكشف حجم التوتر العابر للأطلسي بشأن من يتحكم فعليًا في الفضاء الرقمي العالمي.

هل تخضع بروكسل للضغوط؟

في ظل هذه الأجواء المشحونة، أثيرت تساؤلات حول ما إذا كانت بروكسل قد بدأت فعلاً في التراجع أمام الضغوط الأمريكية. حيث لاحظ مراقبون تأخراً في فرض الغرامات المتوقعة على الشركات المخالفة، مما أثار شكوكاً حول "تسييس" تطبيق القوانين، وهو ما دفع فون دير لاين إلى تأكيد موقفها الحازم بأن "القواعد ستُطبّق على الجميع بلا استثناء".
وتأتي هذه التصريحات أيضًا كرد غير مباشر على الانتقادات المتصاعدة، في ظل تأخر واضح في تطبيق العقوبات على منصة "إكس" المملوكة لإيلون ماسك، الداعم البارز لترامب، والذي بات يضطلع بدور رسمي في إدارة الرئيس الأمريكي بوصفه مسؤولاً عن "الكفاءة الحكومية".


مليارات على المحك


وفق صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن المفوضية الأوروبية تدرس فرض غرامات تصل إلى مليار دولار على منصة "إكس"، بعد تحقيقات انتهت في يناير الماضي. ورغم أن المتحدث باسم المفوضية نفى هذا الرقم، فإن مجرد تداوله يعكس جدية الصراع وحدّته.

ما تشهده أوروبا اليوم ليس مجرد تطبيق لوائح على شركات، بل هو معركة على السيادة الرقمية وحقوق المستخدمين، في عالم باتت تهيمن عليه قوى تكنولوجية تتجاوز في تأثيرها دولاً بأكملها. وتُدرك المفوضية الأوروبية أن التراجع سيُفسَّر كانكسار أمام النفوذ الأمريكي، بينما قد يؤدي التمادي في التشدد إلى تعقيد العلاقات مع حليفها الأطلسي في وقت تعيش فيه أوروبا توترات أمنية وجيوسياسية غير مسبوقة.