اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

محاكمة قائد قوات «الدعم السريع» في بورتسودان.. وقلق بالغ من انتشار الكوليرا بالخرطوم

محمد حمدان دقلو "حميدتي"
خالد الحويطي -

في حدث لافت شهدت مدينة بورتسودان أمس الأحد أولى جلسات محكمة مكافحة الإرهاب والجرائم الموجهة ضد الدولة ‏لمحاكمة المتهمين باغتيال والي ولاية غرب دارفور السابق، خميس أبكر، شملت قائمة الاتهامات فيها 16 متهماً أبرزهم قائد ‏‏"الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" ونائبه (شقيقه) عبد الرحيم حمدان دقلو وعدد من القادة الميدانيين لتلك القوات.‏

وتم اغتيال أبكر بعد وقت قصير من اعتقاله بواسطة قوات "الدعم السريع" في مدينة الجنينة، عاصمة غرب دارفور، منتصف ‏يونيو 2023، لكن هذه القوات نفت بشكل قاطع تورطها في عملية الاغتيال، مشيرة إلى أنها حاولت حمايته من عنف اتخذ ‏طابعاً "عرقياً" آنذاك.‏

شملت التهم الموجهة للمتهمين في المحاكمة التي ستواصل أعمالها اليوم، الاشتراك الجنائي، التحريض، الاتفاق الجنائي ‏والمعاونة، إثارة الحرب ضد الدولة، تقويض النظام الدستوري، التعدي على الموتى، الحجز غير المشروع، الحرب ضد ‏الأشخاص.‏

وقال النائب العام السوداني، الفاتح محمد عيسى طيفور، في خطبة الاتهام "إن حيثيات القضية وجريمة مقتل الوالي المغدور ‏وتصفيته والتمثيل بجثته، تنفيذاً لحلقات مشروع الغدر الذي ابتدرته الميليشيات بالهجوم على مطار مروي ومحاولة قتل رئيس ‏مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للجيش".‏

تشهد مسارح عمليات حرب السودان في كل من العاصمة الخرطوم ودارفور وكردفان تصعيداً عسكرياً واشتباكات ومواجهات متواصلة، حيث اندلعت معارك ضارية في جنوب غربي مدينة أم درمان بالعاصمة الخرطوم بين الجيش وقوات "الدعم السريع" إثر محاولة الأخيرة استرداد آخر معاقلها في ولاية الخرطوم التي خسرتها قبل أيام على أطراف محلية أم بدة.

قصف جديد

وأدى قصف مدفعي جديد من قبل قوات "الدعم السريع" أمس على مدينة الفاشر إلى سقوط سبعة مواطنين وإصابة وجرح آخرين، بينما شن الطيران الحربي للجيش غارات جوية عنيفة ضد تجمعات قوات "الدعم السريع" جنوب شرقي المدينة.

واتهمت الفرقة السادسة مشاة للجيش بالفاشر، الميليشيات بمواصلة استهدافها الممنهج للمدنيين وقصف أحياء المدينة أمس بالمدفعية الثقيلة من اتجاهات متفرقة، وأكدت الفرقة في بيان صحافي، أن النازحين من معسكر زمزم يعانون من التعامل غير الإنساني وعلى أساس التمييز العنصري من قبل عناصر الميليشيات، وذلك بقطع الطريق على كل من حاول الخروج من الفاشر، وجلد الفارين من معسكر زمزم.

جددت الفرقة، تحذيراتها للمواطنين من مغادرة الفاشر حرصاً على سلامة أرواحهم، وما تبقى من ممتلكاتهم، وعدم الاعتماد على دعوات الميليشيات بالخروج من المدينة لتفادي مخاطر الطريق التي لا تزال قائمة.

وكشفت الفرقة، أن قواتها تمكنت في إطار عمليات التمشيط اليومية أمس من مداهمة أوكار كانت تستخدمها الميليشيات كمخازن للأسلحة والذخائر وقطع الغيار، وضبطت كمية متنوعة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، بعد تبادل لإطلاق النار مع عناصر الميليشيات، ردت عليه بقوة وتابعت مصادر النيران وألقت القبض على مجموعة من المتسللين.

اشتباكات بكردفان

وفي شمال كردفان كشفت مصادر محلية، عن وقوع اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش من الهجانة التابعة للفرقة الخامسة مشاة ومتحرك الصياد، مع قوات "الدعم السريع" غرب مدينة الأبيض عاصمة الولاية، تكبدت فيها الأخيرة خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد الحربي.

في المقابل بثت قوات "الدعم السريع"، مقاطع مصورة بمنصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي تشير فيها إلى تمكنها من شن هجمات شرسة مباغتة على قوات الجيش بمعسكر النسور وحي الصفوة جنوب غربي أم درمان، ودحرها والاستيلاء على عدد كبير من المركبات قتالية.

وأوضحت أنها باتت تقترب من الفاشر بعد بسط سيطرتها على منطقة بروش إحدى ضواحي مدينة أم كدادة بشمال دارفور وإدخال قافلة طبية إلى معسكر زمزم في محيط المدينة.

في الأثناء توعد قائد "فيلق البراء بن مالك" المساند للجيش، المصباح أبو زيد طلحة، ميليشيات "الدعم السريع" برد قاس على محاولة اغتياله الفاشلة بواسطة طائرة مسيرة استهدفت مقر إقامته في مدينة أم درمان أول من أمس السبت، وأدت إلى مقتل شخص وإصابة آخر.

وكتب طلحة، على حسابه بمنصة "إكس"، مخاطباً ميليشيات آل دقلو "لا أحد يجيد استخدام المسيرات أفضل منا، وسيكون الرد المقبل داخل عمقكم".

معارك أم درمان

في محور العاصمة الخرطوم، كشفت مصادر ميدانية، عن معارك عنيفة خاضها الجيش والقوات المساندة له أمس الأحد، بمناطق غرب محلية أم بدة جنوب غربي مدينة أم درمان، وذلك بعد هجوم فاشل للميليشيات لاستعادة تلك المناطق أدى إلى تدمير قواته المهاجمة لمعسكر النسور ومخطط الصفوة السكني، لكنها تكبدت خسائر فادحة بتدمير 14 عربة قتالية وراجمتين وعربة مجهزة بأجهزة للتشويش، بجانب عشرات القتلى وسط عناصر الميليشيات.

أكدت المصادر، أن عمليات الجيش البرية بغرب أم درمان تحرز تقدماً ملحوظاً وتعمل على إنهاء وجود قوات العدو في غرب أم درمان بما في ذلك قرى الريف الجنوبي معقل قبيلة الجموعية، غرب منطقة خزان جبل أولياء خلال الأسابيع المقبلة، مشيرة إلى أن تقدم الجيش في تلك المناطق أسهم في تقليل عمليات القصف المدفعي الذي كانت تتعرض له الأحياء السكنية في محلية كرري وأم درمان القديمة.

كوليرا في الخرطوم

وإزاء تزايد حالات الإصابة بمرض الكوليرا عبرت غرفة طوارئ الكلاكلة جنوب الخرطوم عن قلقها البالغ من انتشار المرض في ظل انهيار الوضع الصحي وانقطاع مياه الشرب، مرجحة أن يكون السبب هو المياه الملوثة نتيجة لجوء المواطنين إلى سحب المياه من الآبار السطحية.

وكشف بيان الغرفة، عن تسجيل نحو 68 حالة إصابة بالكوليرا، منها 50 إصابة في المستشفى التركي و 18 بمركز الشهيد وداعة الله جنوب العاصمة، بسبب مياه ملوثة، إضافة إلى استقبال مركز الشهيد وداعة الله 18 حالة إصابة، بجانب ثلاث حالات وفاة بينها طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات.

معارك تكتيكية

في السياق لا يجد الباحث والمراقب العسكري، ضو البيت دسوقي، مبرراً لمتابعة قوات "الدعم السريع" القتال في أطراف أم درمان بعد انسحابها من المناطق الاستراتيجية في كل من مدينتي الخرطوم بحري والخرطوم، كون مناطق جنوب وغرب أم درمان هي مجرد أحياء سكنية شعبية طرفية لا تمثل هدفاً حربياً مهماً، بخاصة أن القوات المتبقية التي تقاتل الآن يقودها صغار الضباط وتبدو معزولة عن قيادتها الكبيرة التي انتقل معظمها إلى دارفور.

ويرجح دسوقي، وجود أهداف تكتيكية من وراء مواصلة تلك القوات للقتال بأطراف أم درمان، أم من أجل البقاء أو لتغطية وتأمين عمليات انسحاب المتبقي من القوات أو لصرف الأنظار عن عمليات متوقعة يجري التخطيط لها في مناطق أخرى.

ولفت الباحث، إلى أن توسيع الجيش لعملياته البرية المسنودة بالمدفعية الثقيلة والقوات الجوية والمسيرات في غرب أم درمان خطط لها أن تكون حصاراً كاملاً للقضاء على كل ما تبقي من تلك القوات من دون منحها فرصة الانسحاب إلى دارفور أو كردفان، بإغلاق الطريق القومي الغربي الرابط بين الخرطوم وكردفان ومراقبة الطرق الصحراوية عبر الطيران، وذلك بخلاف ما حدث سابقاً عند انسحابها من الخرطوم حيث عمد الجيش إلى ترك بعض الممرات مفتوحة لها للانسحاب نحو دارفور عبر جسر خزان جبل أولياء جنوب الخرطوم.

فوضى عارمة

وأكدت الأمم المتحدة أن هجمات "الدعم السريع" على مناطق النازحين في دارفور خلقت حالة من الفوضى العارمة لم يعد معها في مقدور المنظمات الإنسانية العاملة ملاحقة حركة ما يزيد على 400 ألف شخص أصبحوا في حالة نزوح مستمر وابتعاد عن المناطق التي أسست فيها المنظمات الإنسانية العاملة بنيات تحتية لخدمتهم، مشيرة إلى أن هذه التحركات السكانية المائعة والمتزايدة لا يمكن التنبؤ بمآلاتها، تغذيها الأعمال العدائية المستمرة والمخاوف من هجوم أوسع على الفاشر.

وأشارت منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين نكويتا سلامي، إلى أن المجتمع الإنساني بالسودان أصبح الآن في مواجهة تحديات عملياتية حرجة ومكثفة في شمال دارفور، مدفوعة بالنزوح القسري والواسع النطاق للمدنيين بعيداً من البنية التحتية والخدمات الإنسانية القائمة في معسكرات النازحين.

لفتت المنسقة الأممية في بيان لها أمس، إلى حجم وخطورة الانتهاكات المبلغ عنها، بما فيها المباشرة على النازحين داخلياً والعاملين في المجال الإنساني، مشددة على أنه أمر غير مقبول أن يكون النزوح القسري شرطاً مسبقاً للحصول على المساعدات المنقذة للحياة أو أن يكون المدنيون هدفاً أبداً.

تقييد خطير

وترى سلامي أن التعطيل الشديد للعمليات الإنسانية القائمة زاد بشكل كبير من حالة الضعف التي يعاني منها مئات الآلاف من المدنيين، في وقت وصل النزوح الجماعي الحالي لا سيما من زمزم وأبو شوك والمعسكرات الأخرى ما بين 400 ألف إلى 450 ألف شخص نحو مناطق طويلة وجبل مرة وما بعدها.

وحذرت من أن الوضع يزداد تعقيداً بسبب ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي، وعزل السكان النازحين عن سلاسل التوريد والمساعدات، مما يعرضهم بشكل متزايد لخطر تفشي الأوبئة وسوء التغذية والمجاعة، بينما لا يزال وصول المساعدات إلى الفاشر والمناطق المحيطة بها مقيد بشكل خطير على رغم النداءات المتكررة.

من جانبه، أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، أنه يخطط لتقديم مساعدات لنحو مليون مواطن داخل ولاية الخرطوم، لتمكينهم من استعادة حياتهم الطبيعية من خلال إعمار المنازل والتغذية المدرسية والدعم النقدي المباشر.

وكان والي الخرطوم المكلف، أحمد عثمان حمزة طالب خلال لقائه أمس وفد البرنامج بالمزيد من التدخلات للمساعدة في إعمارها الخرطوم بعد ما قامت به الميليشيات من تخريب للبنى التحتية للخدمات الأساسية.

احتجاج ومذكرة

محلياً سيرت اللجنة الشعبية القومية لمناصرة أهل الفاشر مسيرة احتجاجية حاشدة أمام مقر الأمم المتحدة بمدينة بورتسودان، سلمت خلالها مذكرة احتجاجية تطالب بإنهاء حصار مدينة الفاشر من قبل الميليشيات المتمردة.

وطالب المتظاهرون بضرورة أن تتولي المنظمات الدولية والإقليمية عمليات إسقاط الغذاء والدواء وفتح المسارات الآمنة تفادياً لحدوث كارثة إنسانية في حال استمرار الحصار، وفتح تحقيق دولي حول قتل النساء والأطفال.

وندد المتظاهرون بصمت منظمات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان مطالبين بضرورة تفعيل القوانين الدولية والإقليمية التي تحمي حقوق المواطنين العزل جراء هذه الجرائم والانتهاكات.