التهجير الناعم.. تحذيرات من حملات إسرائيلية خفية لتفريغ غزة عبر التضليل النفسي

في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، أصدرت وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة تحذيراً بالغ الخطورة من أساليب إسرائيلية "خبيثة" جديدة، لا تتخذ شكل القصف أو الاجتياح، بل تعتمد على التضليل النفسي والتقنيات الاستخباراتية الناعمة، بهدف دفع الفلسطينيين إلى مغادرة وطنهم طواعية، فيما يشبه تهجيراً ناعماً تحت عباءة "الإغراء الإنساني".
الأسلوب الجديد للتهجير.. من الرصاص إلى الرسائل
وفقاً لبيان الداخلية، فإن أجهزة مخابرات الاحتلال الإسرائيلي بدأت مؤخراً باستخدام أساليب غير تقليدية للتأثير على وعي الفلسطينيين في القطاع. الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية باتت وسيلة للاختراق، حيث يدّعي المتصلون أنهم يمثلون جهات قادرة على "تسهيل سفر المواطنين إلى الخارج"، خصوصاً في ظل تدهور الأوضاع المعيشية والصحية، وانسداد الأفق أمام سكان القطاع المحاصر.
تأتي هذه الحملة في سياق استغلال المعاناة الإنسانية، وتوجيهها نحو هدف سياسي واضح: تفريغ غزة من سكانها تدريجياً، في خطوة تُفسَّر على أنها محاولة للالتفاف على القانون الدولي وخلق واقع ديمغرافي جديد يخدم المشروع الصهيوني.
تحذير وتأكيد على الثوابت
في ردها، شددت وزارة الداخلية على ضرورة عدم التفاعل مع هذه الرسائل، محذرة من الوقوع في فخاخ الخداع والمساومة. كما أكدت أنها ستتخذ إجراءات قانونية بحق أي مواطن يثبت تعاونه مع هذه الحملات، في محاولة لردع الاستجابات الفردية التي قد تتحول إلى ثغرات أمنية واجتماعية.
وأشارت الوزارة إلى أن ما عجزت عنه آلة الحرب الإسرائيلية خلال شهور طويلة من القصف والتدمير، تحاول تحقيقه اليوم بطرق نفسية ممنهجة. لكنها أكدت أن "شعبنا الفلسطيني بكل مكوناته قادر على إحباط مخططات الاحتلال"، مكررة الإيمان بالثبات والصمود بوصفهما الخيار الوحيد في وجه محاولات الإبادة والاقتلاع.
جريمة قانونية وإنسانية مزدوجة
تصف وزارة الداخلية هذه المحاولات بأنها "جريمة مركبة"، تنتهك القوانين الدولية التي تجرم التهجير القسري، سواء كان عبر القوة العسكرية أو بالإكراه غير المباشر. كما طالبت المجتمع الدولي بالخروج من دائرة الصمت، والضغط على الاحتلال لوقف هذه الممارسات التي تُعدّ انتهاكاً صارخاً للحقوق الأساسية للمدنيين الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، أكدت الداخلية أن "حرية السفر والتنقل حق إنساني مكفول"، ولكن ما يحدث ليس سوى توظيف لهذا الحق بطريقة ملتوية تهدف إلى دفع الناس إلى الهروب من ظروف مستحيلة، صُنعت عمداً لتمهيد الأرض لمشروع التهجير.
مأساة ممتدة ومعبر مغلق
لم يغب الجانب الإنساني عن البيان، حيث دعت الوزارة إلى فتح معبر رفح البري، وتسهيل سفر الجرحى والمرضى، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية العالقة على الجانب المصري، والتي يمكن أن تخفف من حدة الكارثة المتفاقمة. وهذا يعكس فشلاً مزدوجاً، سواء في تخفيف الحصار من قبل المجتمع الدولي أو في الاستجابة الكافية من الدول العربية المجاورة.
خلفية الصراع.. أرقام مأساوية
التحذير من الحملات "الناعمة" يأتي في سياق استئناف العدوان الإسرائيلي في 18 مارس الماضي، بعد هدنة مؤقتة. ومنذ ذلك التاريخ، قُتل ما لا يقل عن 1827 شخصاً، ما يرفع حصيلة القتلى الإجمالية منذ بدء الحرب إلى أكثر من 51 ألف قتيل، معظمهم من المدنيين، وفق وزارة الصحة التي تديرها حركة "حماس".
هذه الأرقام تعكس مدى الكارثة الإنسانية التي يعانيها القطاع، وتقدم بيئة مثالية لمخططات الاحتلال، التي باتت تدير الحرب بمزيج من السلاح والمعلومة والضغط النفسي.
ما يجري اليوم في غزة لم يعد مجرد حرب كلاسيكية، بل أصبح مواجهة متعددة الأوجه، تشترك فيها الطائرات والمخابرات والأدوات النفسية. التهجير لم يعد بالصواريخ وحدها، بل بالرسائل الهاتفية والإغراء بالسفر. ومع استمرار الحصار، وتصاعد أعداد الشهداء، وتحلل الضوابط الدولية، تبدو المعركة في غزة أقرب ما تكون إلى صراع وجودي، لا يهدد فقط الأرض، بل الوعي الفلسطيني ذاته.
في المقابل، فإن تماسك المجتمع الفلسطيني، ووعي المؤسسات الأمنية، يمثلان جدار صد أساسياً أمام مشروع الاحتلال. لكن وحده تحرك دولي صادق يمكن أن يُحدث الفرق، ويعيد الاعتبار للعدالة والحقوق الإنسانية في واحدة من أكثر الأزمات استعصاءً في التاريخ الحديث.