بين ضغط الميدان ومبادرات التهدئة.. إسرائيل وحماس على مفترق طرق لوقف الحرب في غزة

في وقتٍ تتزايد فيه الضغوط الإقليمية والدولية لوقف الحرب في غزة، تتكثف التحركات السياسية والدبلوماسية سعياً للوصول إلى اتفاق يضع حداً لأشهر من القتال العنيف الذي خلف عشرات الآلاف من الضحايا في القطاع، ويضع المنطقة على حافة انفجار إقليمي أكبر.
اجتماعات إسرائيلية حاسمة ومهلة للوسطاء
يعقد المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر اجتماعاً مفصلياً اليوم الثلاثاء، للنظر في "خطة ويتكوف" التي طرحها مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتركّز الخطة على إطلاق سراح عشرة أسرى إسرائيليين مقابل تفاهمات تشمل هدنة طويلة الأمد مع حركة حماس. بحسب القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، سيناقش الاجتماع مسألة منح مهلة زمنية محددة للوسطاء – وعلى رأسهم مصر وقطر – لتنفيذ هذه الخطة، مما يشير إلى نفاد صبر القيادة الإسرائيلية من المراوحة السياسية وتباطؤ النتائج.
الضغوط العسكرية المستمرة من الجانب الإسرائيلي، التي تجددت في 18 مارس بعد شهرين من الهدوء النسبي، تعكس رغبة الحكومة الإسرائيلية في استخدام القوة كورقة ضغط لتحريك المفاوضات، فيما يتنامى الجدل داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية حول جدوى استمرار الحرب وتكلفتها البشرية والسياسية.
وفد حماس والموقف من المبادرة الجديدة
في المقابل، تتحرك حماس بخطى مدروسة نحو محاولة كسر الجمود، حيث يترأس خليل الحية وفداً رفيعاً من الحركة يجري حالياً محادثات مع المسؤولين المصريين في القاهرة، بعدما غادروا الدوحة لبحث "أفكار جديدة" لوقف إطلاق النار، كما أفادت مصادر مطلعة. تشير هذه التحركات إلى مرونة متزايدة في موقف حماس، خاصة بعد أن نقلت مصادر فلسطينية أن الحركة وافقت على مقترح شامل يتضمن:
وقفاً كاملاً لإطلاق النار.
هدنة تمتد من خمس إلى سبع سنوات، قابلة للتمديد حتى عشر سنوات.
إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة.
إفراج متبادل عن عدد من الأسرى الفلسطينيين.
انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة
تخلي حماس عن إدارة القطاع لصالح كيان فلسطيني توافقي أو سلطة انتقالية.
هذه البنود تمثل تحولاً كبيراً في موقف حماس، وتوحي بأن الحركة قد تكون مستعدة للدخول في معادلة سياسية جديدة، خاصة في ظل الخسائر الهائلة في صفوف المدنيين في غزة، والتي تجاوزت حتى الآن 51 ألف قتيل منذ اندلاع الحرب، بينهم 1,827 شخصاً قتلوا منذ استئناف الهجوم الإسرائيلي الأخير.
التداخل الأميركي والضغط على نتنياهو
على صعيد متصل، نقل موقع "أكسيوس" الأميركي أن الرئيس السابق دونالد ترامب يعتزم الاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة جهود وقف إطلاق النار، إضافة إلى الملف النووي الإيراني. رغم أن الدور الرسمي الأميركي في الوساطة لا يزال غير مباشر، إلا أن تحركات ترامب تسلط الضوء على سعي الإدارة الأميركية – عبر أدواتها المختلفة – إلى منع تفاقم الحرب وتوسّعها إقليمياً.
السيناريوهات المحتملة
مع دخول المفاوضات منعطفاً حساساً، تظل احتمالات النجاح مرهونة بعدة عوامل، من أبرزها:
1. مدى قبول إسرائيل بالتخلي عن أهدافها العسكرية الكاملة في مقابل اتفاق يضمن استعادة الأسرى وهدوءاً طويل الأمد.
2. الضمانات الدولية التي يمكن تقديمها لحماس مقابل تخليها عن الحكم، وهي نقطة بالغة الحساسية داخلياً وإقليمياً.
3. قدرة الوسطاء الإقليميين، خاصة مصر وقطر، على جسر فجوات الثقة بين الجانبين ودفع نحو تسوية قابلة للتطبيق.
4. الوضع الإنساني المتدهور في غزة، والذي يضغط على كل الأطراف للتوصل إلى حل سريع.
تعيش الأزمة في غزة لحظة مفصلية بين التصعيد والانفراج. الطرفان – إسرائيل وحماس – يظهران قدراً من الانفتاح على تسوية مشروطة، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل. ما يُطرح حالياً ليس مجرد وقف مؤقت لإطلاق النار، بل اتفاق يمكن أن يعيد رسم المشهد السياسي في غزة والمنطقة ككل. وما إذا كان هذا الاتفاق سيتحول إلى واقع أم سيظل حبيس غرف التفاوض، ستحدده الساعات والأيام القادمة.