دعوات متبادلة لوقف استهداف المنشآت المدنية.. مبادرة أوكرانية وحذر روسي وسط تعقيدات ميدانية وسياسية

في تطور جديد يعكس تعقيدات الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، أعلن الكرملين اليوم الثلاثاء عن استعداد موسكو لدراسة اقتراح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشأن وقف الهجمات المتبادلة على البنية التحتية المدنية في كلا البلدين. يأتي هذا الموقف بعد سنوات من التصعيد العسكري والتدمير المتبادل الذي طال منشآت حيوية مثل محطات الطاقة والمصانع وشبكات الكهرباء، ما فاقم من معاناة المدنيين على الجانبين.
تحليل أبعاد الأزمة:
1. الاقتراح الأوكراني وموقف موسكو:
صرح الرئيس الأوكراني زيلينسكي أن بلاده مستعدة لأي شكل من أشكال النقاش لوقف الاعتداءات على البنى التحتية المدنية، مشددًا على ضرورة التزام الجانبين بعدم استهداف هذه المنشآت. وقد عبّر الكرملين على لسان المتحدث دميتري بيسكوف عن انفتاح مبدئي لدراسة المبادرة، لكنه أشار إلى أن لا خطط ملموسة حالياً لعقد محادثات مباشرة بين الطرفين، ما يعكس تردداً روسياً في الالتزام بخطوة عملية نحو تهدئة الأوضاع.
2. تعقيد التعريفات العسكرية:
بيسكوف أوضح أن المشكلة الأساسية تكمن في تحديد ما يُعتبر "هدفاً مدنياً" بشكل قاطع، خاصة في حالات يمكن أن تتحول فيها منشآت مدنية إلى مواقع عسكرية إذا استخدمها مقاتلون. هذه النقطة تفتح باباً واسعاً للتأويل والتبرير، ما قد يقوّض أي اتفاق محتمل ما لم تُوضع آليات رقابة واضحة ومشتركة.
3. سياق التهدئة الفاشلة:
الإشارة إلى هدنة عيد الفصح، التي أعلنها بوتين واستمرت 30 ساعة فقط، كشفت عن هشاشة أي محاولة لوقف إطلاق النار في ظل انعدام الثقة. فكل طرف يتهم الآخر بخرق التهدئة مراراً وتكراراً، سواء خلال تلك الهدنة أو خلال التفاهم الجزئي الذي توسّطت فيه الولايات المتحدة سابقاً بشأن الأهداف الطاقية. هذا الفشل المتكرر يُظهر غياب الإرادة السياسية الحقيقية للوصول إلى حلول دائمة، رغم الضغط الدولي المتزايد.
4. الدور الأميركي والضغوط الخارجية:
الملفت في السياق هو تدخل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي هدد الأسبوع الماضي بالتخلي عن جهود الوساطة، ما يعكس تحوّلاً محتملاً في موقف واشنطن، التي كانت حتى وقت قريب من أبرز الداعمين لأوكرانيا. هذا التغير قد يؤثر في موازين القوى على الأرض، ويدفع الطرفين إلى إعادة حساباتهما.
الاقتراح الأوكراني بوقف الهجمات على المنشآت المدنية يعكس توجهاً نحو تخفيف المعاناة الإنسانية، لكن الاستجابة الروسية جاءت حذرة ومشروطة، وتعكس استمرار الرؤية الأمنية التي تُبقي الباب مفتوحاً أمام التصعيد. في ظل التداخل بين المنشآت المدنية والعسكرية، وغياب الثقة بين الطرفين، فإن أي تهدئة تحتاج إلى ضمانات دولية صارمة وآليات تحقق دقيقة، وإلا فإن المبادرات ستظل حبيسة التصريحات دون أن تترجم إلى أرض الواقع.