اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

يتجرعون الويلات ولا يذوقون طعاماً ولا شراباً.. انقطاع الكهرباء يتسبب في سوق سوداء للمياه بأم درمان

فنيون سودانيون يحاولون إصلاح الكهرباء
خالد الحويطي -

الحروب يشعلها المستفيدون وأصحاب المصالح حتى لو عن بعد ويموت فيها الجنود وهم يدافعون عن أصحاب الرتب الأعلى ويحترق بنيرانها المدنيون الذين لا يعلمون للحرب سبباً.. وفي الحرب الأهلية السودانية من يدفع الثمن هم المواطنون الذين ذاقوا الويلات ولا يذوقون طعاماً ولا شراباً.. حيث يعيش سكان مدن العاصمة السودانية الثلاثة الخرطوم وأم درمان وبحري أزمة خانقة في المياه الصالحة للشرب بسبب استهداف قوات "الدعم السريع" التي تخوض حرباً مستعرة مع الجيش منذ عامين، محطات الكهرباء بالمسيرات الانتحارية، مما أدى إلى توقف الإمداد المائي من الآبار الجوفية التي تعمل بالطاقة، علاوة على تلوث مصادر المياه نتيجة استخدام مواد سامة خلال القصف المتبادل بين القوتين المتحاربتين.

وتعتمد الخرطوم على 20 محطة بينها 13 عادية وسبع محطات ضغط، فضلاً عن 1400 بئر جوفية، وجميعها توقف عن الخدمة بسبب القصف العشوائي ومواجهتها تحديات متمثلة في عدم تمكن فرق الصيانة من الوصول إليها، إلى جانب شح مستلزمات التنقية، مما جعل السكان يصطفون في طوابير طويلة للحصول على المياه من آبار قديمة، في حين ولدت الأزمة سوق سوداء لبيع المياه بأموال طائلة.

جهود حكومية

في الأثناء أكدت حكومة ولاية الخرطوم أن أزمة مياه الشرب بمدن العاصمة بخاصة أم درمان سببها الانقطاع الكامل في الإمداد الكهربائي نتيجة استهداف محطة كهرباء مروي بطائرات مسيرة تابعة لـ"الدعم السريع"، مما أدى إلى خروج المحطات النيلية والآبار عن الخدمة.

وبحسب بيان عن حكومة الولاية، فإن ولاية الخرطوم تبذل جهوداً مكثفة لتنفيذ بعض الحلول العاجلة لمعالجة أزمة مياه الشرب بالسرعة المطلوبة.

فيما أشارت هيئة مياه الخرطوم إلى أن مهندسي الصيانة يعملون على تنفيذ معالجات طارئة لتشغيل آبار المياه وإعادة ضخها في الشبكة القومية، كاشفة عن تشغيل 15 بئراً، مما أسهم في توفير المياه لبعض المناطق.

معاناة واستغلال

وحول أثر انقطاع المياه أياماً عدة وتداعياته على مواطني ولاية الخرطوم، قال المواطن فتحي الطيب أحد سكان مدينة أم درمان "نعيش في أم درمان كارثة إنسانية متفاقمة بسبب العطش، وأصبح ليس لدينا سبيل غير جلب المياه من النيل مباشرة على رغم المعاناة من جهة والمخاطرة من جهة أخرى بسبب تلوث هذه المياه جراء رمي قوات ’الدعم السريع‘ الجثث المتحللة في النيل، إضافة إلى اختلاط مياهه بالصرف الصحي، فهناك عدد من الحالات التي أصيبت بالكوليرا".

وأضاف الطيب "المشكلة الكبيرة في مياه الشرب أجبرت السكان على قطع مسافات طويلة لجلب المياه بواسطة عربات صغيرة معروفة شعبياً بـ’بالدرداقة‘ من الآبار القديمة، التي شُغلت بمجهودات الأهالي والجهات الرسمية قبل توقف الكهرباء بشكل تام، وذلك لمنع استغلال البائعة الجائلين بعربات الكارو التي يجرها الحمار، إذ يبيعون البرميل بسعر 12 ألف جنيه سوداني (ما يعادل ستة دولارات)".

ولفت المواطن إلى أن "مدينة أم درمان لا تزال مستهدفة من ’الدعم السريع‘ ولا ندري إن كنا سنموت بالعطش أم بالرصاص الطائش".

تحديات صعبة

من جانبه أوضح عضو غرفة طوارئ الخرطوم الوليد كمال الدين بأن "أعضاء غرف الطوارئ في الخرطوم ظلوا يعملون ليل نهار في البحث عن المياه النظيفة، على رغم صعوبة توفيرها من أماكن بعيدة وفي الغالب تكون سيراً على الأقدام، لكن من المؤسف ظهرت بعض الأمراض بخاصة في ضواحي الحاج يوسف وشرق النيل، إلى جانب مدينة بحري بسبب جلبهم مياهاً من آبار مهجورة بعدما نضبت كل مصادر المياه، إذ لم تُنقَّ مما يقارب عامين".

وأردف كمال الدين "من الأمراض التي رُصدت حساسية الجلد وسوء الهضم والتقيؤ المستمر والإسهالات المائية، مما أدى إلى مضاعفات يصعب علاجها وتفاقم الوضع وسط الذين يشكون من الفشل الكلوي".

ونوه عضو غرفة الطوارئ بأن "الغرفة تسعى إلى تذليل بعض العقبات التي تواجه السكان في مياه الشرب بالتنسيق مع المنظمات الدولية كالهلال الأحمر، والتي وزعت مواد تنقية في ظل تعذر وصول فرق الصيانة لمحطات المياه".

انهيار وخسائر

وفي إطار الجهود المبذولة لحل هذه المشكلة تواصل الفرق الفنية من مهندسين وفنيين وعمال في شركة كهرباء السودان قصارى جهودهم من أجل عودة واستقرار التيار الكهربائي للمناطق المتأثرة، بسبب ما ألحقته قوات "الدعم السريع" من تدمير في المحطات التحويلية الواقعة شمال ووسط وشرق البلاد، من خلال إيجاد حلول ومعالجات بعد اكتمال أعمال الصيانة الأولى التي أدت إلى عودة التيار إلى ولاية الخرطوم، أما الولايات التي تأخرت في استعادة التيار الكهربائي كولايتي نهر النيل والبحر الأحمر، فإن حجم الضرر كان كبيراً، إذ لا تزال أعمال الصيانة متواصلة.

يقول الباحث في مجال الطاقة حسن عبدالغفار إن "واقع قطاع الكهرباء في السودان خلال الحرب لا يمكن وصفه إلا بالانهيار شبه الكامل، إذ تعرض لتدمير ممنهج على يد ’الدعم السريع‘ التي سيطرت قرابة العامين على محطتي بحري وقري الحراريتين بالخرطوم بحري، ومن ثم تتحمل مسؤولية حجم الأضرار التي لحقت بهما".

واستطرد "هذا القطاع يحتاج إلى ملياري دولار لصيانة الشبكة العامة والمحطات الحرارية باعتبار أن حجم الضرر غير مسبوق، فخسائر محطة قري فقط بلغت 700 دولار، كما طاول التدمير محطة بري الحرارية الواقعة شمال الخرطوم، التي يصل إنتاجها 400 ميجاواط/ساعة، إذ تحتاج إلى 300 مليون دولار لإعادة تشغيلها، في حين خسرت الشبكة العامة محطة كانت تنتج 300 ميجاواط/ الساعة قبل اندلاع الحرب".

ولفت المتحدث إلى أن "الاستقرار النسبي في المدن الواقعة تحت سيطرة الجيش لا يعني أن المحولات ومحطات الكهرباء ستكون في أمان، مع الوضع في الاعتبار أن الولايات الآمنة لم تنج من مسيرات ’الدعم السريع‘، فضلاً عن استهداف سد مروي كونه أكبر وأهم مشاريع السودان في توليد الكهرباء".

وأشار الباحث في مجال الطاقة إلى ضرورة الاعتماد على الطاقة الشمسية كونها طاقة متجددة تستمد من مصدر طبيعي غير محدود، فضلاً عن أنها تعد الخيار الاستراتيجي والأمثل في الوقت الحالي، بخاصة أن الاستفادة من الطاقة الشمسية أحد أفضل الحلول في العصر الحديث.