اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

تحت الحصار والنار.. طولكرم ونور شمس نموذجًا لمعادلة القمع والاقتلاع.. وغزة تودّع أطفالها في محرقة لا تنته

جرافات الاحتلال
محمود المصري -


في مشهد دموي يتكرر يوميًا بلا هوادة، تستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي في عملياتها العسكرية المكثفة ضد المدنيين في الأراضي الفلسطينية، وسط صمت دولي آخذٍ في التآكل، وتحولٍ ميداني يعكس تصعيدًا استراتيجيا في أدوات الحرب النفسية والميدانية ضد السكان الفلسطينيين.
فمدينة طولكرم ومخيم نور شمس يعيشان، منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، واقعًا متواصلًا من الاقتحامات، والمداهمات، والقصف، والتهجير القسري، والاعتقالات، ضمن ما يبدو أنه محاولة منهجية لتفكيك النسيج المجتمعي، وتدمير مقومات الصمود الفلسطينية في الضفة الغربية.

88 يومًا من النار.. طولكرم تنزف

لليوم الـ88 على التوالي، تستهدف قوات الاحتلال مدينة طولكرم ومخيمها، فيما يخضع مخيم نور شمس لحصار متواصل منذ 75 يومًا، في حملة أمنية هي الأعنف منذ الانتفاضة الثانية، وقد تكون الأكثر اتساعًا من حيث التأثير على البنية التحتية والسكّان.

شهدت الليلة الماضية، وحتى فجر الخميس، اقتحامات واسعة النطاق من قبل قوات الاحتلال، شملت الأحياء الشرقية والشمالية، وإسكان الموظفين في ضاحية كتابا، وضاحية ذنابة، وحارة الربايعة، إضافة إلى محيط مخيم طولكرم. وقد تخلل ذلك استخدام مفرط للقوة عبر القنابل الصوتية والرصاص الحي، في ظل انتشار كثيف لجنود الاحتلال داخل الأحياء السكنية.

مخيم نور شمس.. الجغرافيا التي تحولت إلى متاهة رعب

مخيم نور شمس يخضع لحصار خانق، وتوغلات يومية لفرق المشاة الإسرائيلية التي تنفذ عمليات تفتيش واستفزاز داخل الأزقة والمنازل، ترافقها اعتداءات جسدية على السكان، لا سيما في منطقتي جبل النصر والصالحين، حيث أجبر جنود الاحتلال الأهالي على الخروج من منازلهم تحت تهديد السلاح، في واحدة من أوضح صور الإخلاء القسري.
تهجير وخراب ممنهج

العدوان أدّى إلى استشهاد 13 مواطنًا، بينهم طفل وامرأتان (إحداهما حامل في شهرها الثامن)، إضافة إلى العشرات من الجرحى والمعتقلين. كما تسببت العمليات العسكرية في تهجير أكثر من 4200 عائلة، أي ما يعادل أكثر من 24 ألف مواطن، من مخيمي طولكرم ونور شمس، وتحويل أحياء بأكملها إلى مناطق شبه مهجورة، تمركزت فيها قوات الاحتلال وجرافاتها.

أرقام الدمار.. خريطة النزيف

396 منزلًا دُمّر كليًا


2573 منزلًا تعرض لأضرار جزئية


إغلاق كامل للمخيمين بمداخل ترابية وأسلاك شائكة


تحويل عشرات المنازل إلى ثكنات عسكرية ومواقع قنص


غزة.. عندما تكون الطفولة هدفًا مباشرًا

وبينما تتواصل فصول القمع في الضفة، يشتدّ الحصار الدموي على قطاع غزة، حيث لا تزال الغارات الإسرائيلية تستهدف الأحياء السكنية والأسواق والمستشفيات، وآخر ضحاياها كانتا الطفلتين التوأم "صبا" و"سنا" أبو سيف، اللتين استشهدتا جراء غارة مباشرة على منزلهما شرق مدينة غزة.

مشهد الوداع كان مهيبًا: الجثتان الصغيرتان في كفنيهما الأبيض، تودّعهما العائلة بقبلات على الجبين، بينما تلوح في الأفق مأساة أوسع، تشير إلى أن الحرب لم تعد تفرّق بين مقاوم ورضيع، بين ملجأ ومنزل، أو بين هدف عسكري ومدني.

إبادة مستمرة.. بلا خطوط حمراء


منذ السابع من أكتوبر 2023، بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة أكثر من 51,300 شهيد، بينهم أكثر من 18,000 طفل، بينما أصيب أكثر من 117,000 شخص، في عدوان لم ينجُ منه أحد، حتى الأسواق والأحياء المكتظة مثل جباليا البلد وحي الزيتون، حيث استُشهد العشرات في غارات أخيرة.

العدوان الإسرائيلي، سواء في الضفة أو غزة، لم يعد رد فعل على أحداث أمنية، بل هو جزء من عقيدة متكاملة تقوم على:
الإرهاب الجماعي عبر الهدم والتهجير


قتل الأمل بتدمير بنية المجتمع الفلسطيني


هندسة الخوف بزرع الرعب في تفاصيل الحياة اليومية


الصمت لا يحمي أحدًا

إن ما يحدث في طولكرم ونور شمس، بالتوازي مع غزة، ليس تصعيدًا مؤقتًا، بل هو تعبير واضح عن تحول استراتيجي في آليات الاحتلال نحو التصفية الجغرافية والديمغرافية. ومع كل يوم يمر، يُطرح سؤال وجودي:
هل يظل العالم يشاهد بصمت، أم أن كثافة الدم تجبر الضمير الإنساني على النهوض من سباته؟.