اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الناتو أمام التهديد الروسي.. توافق استراتيجي وضغوط أميركية قبيل قمة يونيو

حلف الناتو
محمود المصري -

في سياق التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مارك روته، بعد لقائه بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، على وجود إجماع استراتيجي بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأعضاء في الحلف بشأن التهديد الذي تمثله روسيا. فقد صرح روته من أمام البيت الأبيض بأن "روسيا تمثل تهديداً طويل الأمد ليس فقط لأراضي الحلف، بل للمنطقة الأوروبية الأطلسية بأسرها"، في تكرار لموقف أصبح ركيزة في سياسات الناتو الدفاعية بعد الحرب في أوكرانيا.

هذا التصريح يعكس قناعة غربية متزايدة بأن التهديد الروسي لم يعد ظرفياً أو محصوراً في أوكرانيا، بل بات استراتيجياً ويستدعي إعادة تقييم دائمة لموازنات القوة والجاهزية العسكرية في أوروبا.

وفيما يستعد الحلف لعقد قمته القادمة في يونيو، تبرز ملامح أزمة داخلية تتمثل في تباين مستويات الإنفاق الدفاعي بين الأعضاء. ففي الوقت الذي يشهد فيه الحلف وحدة خطابية تجاه الخطر الروسي، يضغط دونالد ترمب على الحلفاء الأوروبيين من أجل رفع إنفاقهم الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي – وهو سقف يتجاوز بكثير نسبة الإنفاق الحالية حتى في الولايات المتحدة ذاتها.

هذا الضغط يأتي في إطار نهج ترمب المعروف بالمطالبة بتوزيع أكثر "عدالة" للأعباء الدفاعية، لكنه يثير توترات في العواصم الأوروبية التي تواجه تحديات اقتصادية داخلية ولا ترى في هذا المستوى من الإنفاق خياراً واقعياً في الوقت الراهن.

وفي المقابل، طمأن روته بأن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بحلف الناتو، على الرغم من تركيزها الاستراتيجي المتزايد على منطقة آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة تنامي النفوذ الصيني. هذا التوازن بين الالتزام الأوروبي الأطلسي وتوجهات واشنطن شرقاً يعكس تعقيدات المشهد الجيوسياسي الحالي، ويطرح تساؤلات حول قدرة الحلف على الحفاظ على تماسكه في مواجهة تهديدات متعددة ومتغيرة.


يمر الناتو بمرحلة دقيقة تتداخل فيها التهديدات الخارجية مع تحديات داخلية تتعلق بتمويل الدفاع وتوزيع الأدوار. وبينما يبدو التوافق حول التهديد الروسي واضحاً، فإن الضغط الأميركي لرفع الإنفاق الدفاعي قد يعيد فتح نقاشات قديمة حول مستقبل الحلف وطبيعة التزاماته الجماعية.

تاريخ الحرب الروسية الأوكرانية

يذكر أن الحرب الروسية الأوكرانية تعد واحدة من أبرز وأخطر الصراعات الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين، وقد بدأت بشكلها الحالي الواسع في 24 فبراير 2022، عندما شنت روسيا غزواً شاملاً لأوكرانيا. وفيما يلي استعراض تحليلي لأهم المعلومات والمحاور المتعلقة بالحرب:

خلفية النزاع

تعود جذور الأزمة إلى العام 2014 عندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لموسكو، فيكتور يانوكوفيتش.
تلا ذلك اندلاع نزاع مسلح في إقليم دونباس (شرق أوكرانيا) بين القوات الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا.
على مدار سنوات، بقيت العلاقات متوترة وسط فشل محاولات التسوية، أبرزها اتفاقيتي مينسك 1 و2.

الغزو الشامل 2022

في 24 فبراير 2022، بدأت روسيا هجوماً واسعاً من عدة محاور، مستهدفة كييف وخاركيف ومناطق الجنوب.
الهدف المعلن: "نزع سلاح أوكرانيا" و"منع توسع الناتو"، لكن المراقبين رأوا في ذلك محاولة لإعادة أوكرانيا إلى الفلك الروسي.

أهم المحطات الميدانية

كييف: فشلت روسيا في السيطرة عليها بعد مقاومة أوكرانية شرسة، واضطرت للانسحاب من محيطها في أبريل 2022.
ماريوبول: شهدت حصاراً دامياً انتهى بسيطرة روسية بعد تدمير واسع للمدينة، وخاصة مجمع "آزوفستال".
خاركيف وخيرسون: استعادت أوكرانيا مساحات واسعة منهما في هجمات مضادة في النصف الثاني من 2022.
بخموت وأفدييفكا: تحولت إلى رموز لحرب استنزاف طويلة ومعارك شرسة وسط خسائر بشرية ضخمة.

الخسائر والأبعاد الإنسانية

خسائر بشرية: مئات الآلاف بين قتيل وجريح من الجانبين، بينهم عدد كبير من المدنيين.
النزوح: أكثر من 8 ملايين لاجئ أوكراني فرّوا إلى أوروبا، وملايين آخرين نزحوا داخلياً.
الدمار: دُمرت مئات المدن والبلدات، وجرى استهداف واسع للبنية التحتية الأوكرانية.

الدعم الدولي

الغرب: الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا قدموا دعماً عسكرياً ومالياً هائلاً لأوكرانيا (أنظمة باتريوت، دبابات، صواريخ بعيدة المدى، مساعدات مالية).
روسيا: دعمتها بعض الدول كإيران (بطائرات مسيّرة)، وكوريا الشمالية (ذخائر)، مع دعم دبلوماسي غير مباشر من الصين.

العقوبات على روسيا

فرض الغرب عقوبات اقتصادية شاملة على موسكو، استهدفت النفط، البنوك، الطيران، والأفراد المقربين من بوتين.
رغم ذلك، استطاعت روسيا التكيّف جزئياً عبر التعاون مع الصين والهند في مجال الطاقة.

المسار السياسي والدبلوماسي

تعثّرت محاولات الوساطة، ومنها تلك التي قادتها تركيا والصين.
أوكرانيا تصر على انسحاب روسي كامل، وروسيا تطالب بالاعتراف بمناطق ضمّتها، وهو ما يعرقل أي تسوية سياسية حتى الآن.

الوضع الحالي (2024-2025)

الحرب دخلت مرحلة استنزاف طويلة، مع خطوط جبهة شبه ثابتة، وتركّز المعارك على مناطق محددة في الشرق والجنوب.
البنية التحتية الأوكرانية تتعرض لضربات دورية، خاصة محطات الطاقة والموانئ.
الدعم الغربي لا يزال قائماً، لكنه بدأ يواجه ضغوطاً سياسية داخل بعض الدول (خاصة في أميركا وأوروبا).