اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

بوتين يعلن هدنة رمزية في ذكرى النصر.. مبادرة للسلام أم مناورة ميدانية؟

الحرب الروسية الأوكرانية
محمود المصري -

في تطور لافت وسط استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الاثنين، وقفاً لإطلاق النار خلال الفترة من 7 إلى 11 مايو، بمناسبة الذكرى الثمانين لـ"يوم النصر"، الذي يحيي انتصار الحلفاء على دول المحور في الحرب العالمية الثانية.
وبحسب ما نقلته وكالة "سبوتنيك" الروسية، أوضح بوتين أن وقف إطلاق النار سيدخل حيّز التنفيذ من منتصف ليل السابع إلى الثامن من مايو، حتى منتصف ليل العاشر إلى الحادي عشر من الشهر ذاته. ودعا بوتين في تصريحاته أوكرانيا إلى أن تحذو حذو روسيا وتعلن بدورها التزامها بوقف إطلاق النار خلال هذه المناسبة التاريخية.


أبعاد رمزية.. ورسائل سياسية


اختيار "يوم النصر" لتجميد العمليات القتالية يحمل دلالات رمزية كبيرة في العقل الجمعي الروسي؛ إذ يمثل هذا اليوم أحد أعمدة الهوية الوطنية الروسية المعاصرة، حيث يتم الاحتفاء به سنويًا بمسيرات عسكرية ضخمة وعروض تذكّر بتضحيات الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية. من هنا، يسعى الكرملين إلى ربط الحرب في أوكرانيا بسردية "القتال ضد النازية"، وهو خطاب تكرره موسكو منذ بدء الغزو الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، مبررة تدخلها بضرورة "اجتثاث النازية" من جارتها الغربية.

دلالات الهدنة المؤقتة


بعيدًا عن البُعد الرمزي، يرى مراقبون أن هذه المبادرة قد تحمل أبعادًا تكتيكية أيضاً. فوقف إطلاق النار المؤقت قد يمنح القوات الروسية فرصة لإعادة التموضع، وترميم خطوط الإمداد، واستعادة الأنفاس في بعض الجبهات المشتعلة. وفي المقابل، تضع هذه المبادرة أوكرانيا أمام اختبار حساس: فقبولها بالهدنة قد يُفهم داخليًا كدليل ضعف، بينما رفضها قد يُستغل دعائيًا من قبل موسكو لإظهار كييف بأنها "رافضة للسلام".

سياق معقد


يأتي إعلان بوتين في وقت تشهد فيه الجبهات تصعيدًا ملحوظًا، خاصة في شرق أوكرانيا وجنوبها، حيث تكثف القوات الروسية محاولاتها لتحقيق مكاسب ميدانية قبل حلول الصيف، وهو ما يعرف عسكريًا بـ"موسم القتال المفتوح". كما يتزامن الإعلان مع تزايد الغموض بشأن الدعم الغربي لأوكرانيا، خاصة مع التجاذبات السياسية داخل الولايات المتحدة وأوروبا حول استمرار تقديم المساعدات العسكرية لكييف.
وفي المقابل، لم تصدر حتى الآن استجابة رسمية من الحكومة الأوكرانية بشأن المبادرة الروسية، وسط مؤشرات بأن كييف قد تنظر إليها بريبة، في ظل تجارب سابقة مع وقف إطلاق النار الذي غالباً ما كان ينتهك ميدانياً.

بين النوايا المعلنة وحسابات الميدان

في ضوء هذا المشهد، يطرح مراقبون تساؤلات مشروعة حول مدى جدية موسكو في الالتزام بالهدنة، أم أن الهدف الحقيقي هو تحقيق مكاسب عملياتية تحت غطاء وقف مؤقت للعمليات. كما أن دعوة بوتين لأوكرانيا للالتزام بالهدنة قد تُوظف لاحقًا كورقة سياسية في المحافل الدولية، خاصة إذا اختارت كييف مواصلة القتال.
ورغم أهمية الرمزية المرتبطة بـ"يوم النصر"، إلا أن واقع المعارك اليومية في أوكرانيا، والانقسام العميق بين طرفي النزاع، يجعلان من الصعب تصور أن مثل هذه الهدنات المؤقتة تؤدي إلى تغيير جوهري في مسار الحرب.