جرمانا تحت النار.. أزمة التسجيل المسيء وتداعيات العنف الطائفي في ريف دمشق

شهدت مدينة جرمانا الواقعة في ريف دمشق ليلة دامية، إثر اندلاع اشتباكات مسلحة أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل وإصابة آخرين، وذلك على خلفية انتشار تسجيل صوتي منسوب لأحد أبناء المنطقة، يتضمن إساءات للنبي محمد، ما أثار غضبًا واسعًا وتحركات مسلحة من مجموعات وصفت بأنها "مدافعة عن المقدسات". هذا التصعيد الخطير يعكس هشاشة الوضع الأمني في بعض مناطق ريف دمشق، وسط توتر طائفي وديني قابل للانفجار عند أي شرارة.
بداية الأزمة: تسجيل صوتي يشعل الفتيل
تعود جذور الحادثة إلى انتشار تسجيل صوتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي يحمل مضمونًا دينيًا مسيئًا. وسرعان ما نُسب إلى أحد شباب جرمانا، غير أن الأخير ظهر في مقطع فيديو نفى فيه صلته بالتسجيل جملة وتفصيلًا. ورغم عدم ثبوت التهمة، بدأت على الأرض تحركات ميدانية عنيفة، حيث هاجمت مجموعات مسلحة أحياء في جرمانا، خاصة من جهة حي النسيم، مستخدمة الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
الاشتباكات والضحايا
أفادت شبكة "السويداء 24" بأن أربعة من أبناء المدينة قتلوا وأُصيب خمسة آخرون، في حين ساد الهدوء الحذر أرجاء المدينة منذ ساعات الصباح. وذكرت مصادر محلية أن الاشتباكات تركزت بين جماعات مسلحة من أبناء المدينة، مسؤولة عن أمنها الداخلي، وبين القوات المهاجمة التي وصفت بأنها جاءت من خارج المدينة.
موقف وزارة الداخلية: تحقيق وتهدئة
أصدرت وزارة الداخلية السورية بيانًا أكدت فيه مباشرتها التحقيقات لتحديد هوية صاحب التسجيل المسيء، موضحة أن نتائج التحري الأولي لم تثبت بعد نسبة الصوت إلى المتهم المتداول اسمه. وشدد البيان على أهمية الالتزام بالنظام العام، مهيبة بالمواطنين عدم الانجرار وراء ردود الفعل الغوغائية، حفاظًا على الأمن العام ومنعًا لتكرار المأساة.
الموقف الديني: تنديد ودعوات للتعقل
أدان المرجع الديني لطائفة الدروز في جرمانا ما سماه "الهجوم المسلح غير المبرر"، مطالبًا بمحاسبة المتسببين في الانفلات الأمني، وحمّل السلطات السورية المسؤولية الكاملة عن تطورات الأزمة. من جانبه، دعا شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز إلى ضبط النفس والتحلي بالحكمة، مؤكدًا على ضرورة الحفاظ على وحدة الصف والسلم الأهلي في البلاد.
تكشف هذه الحادثة عن عدة أبعاد حرجة في المشهد السوري:
الهشاشة الأمنية: تؤكد الحادثة مدى سهولة انفجار الأوضاع نتيجة انتشار محتوى مسيء غير مؤكد المصدر، ما يشير إلى ضعف منظومة ضبط المعلومات وحماية الأمن المجتمعي.
الاستقطاب الطائفي والديني:
جرمانا، ذات الأغلبية الدرزية، شهدت تحركات مسلحة ذات طابع ديني، ما يثير المخاوف من اتساع دائرة العنف الطائفي.
غياب الثقة في المؤسسات القضائية: لجوء بعض الأهالي إلى العنف المباشر بدل انتظار نتائج التحقيقات يشير إلى أزمة ثقة عميقة في قدرة الدولة على الإنصاف والمساءلة.
دور وسائل التواصل الاجتماعي:
سرّعت هذه الوسائل من تفجر الأزمة، حيث انتشر التسجيل المسيء بسرعة، دون تحقق، ما أدى إلى توتر شعبي واسع.
تُعدّ أزمة جرمانا نموذجًا مصغرًا للتحديات المعقدة التي تواجه سوريا اليوم، حيث يختلط الدين بالأمن، والمعلومة بالعنف، في ظل غياب حلول عادلة ومستقرة. ويبدو أن احتواء مثل هذه الأزمات مستقبلاً يتطلب تدخلات عاجلة على مستويات أمنية، وقضائية، ودينية، وتعزيز مناخ الحوار بدل التحريض.