اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

مأزق الاتفاق النووي الإيراني.. أوروبا تحذر من العودة للعقوبات وسط مفاوضات متعثرة

وزير الخارجية الفرنسي
محمود المصري -

تشهد الأزمة النووية الإيرانية منعطفًا حرجًا في ضوء تحذيرات فرنسية صريحة من إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران، إذا ما فشلت المفاوضات الجارية في التوصل إلى اتفاق مستدام. هذه الرسالة الصارمة جاءت على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، في ظل تصاعد المخاوف الأوروبية من إخفاق الجهود الدبلوماسية المستمرة والتي تعثرت مرارًا خلال الأشهر الماضية.

التحذير الفرنسي لم يأتِ من فراغ، بل يستند إلى انقضاء وشيك لسريان الاتفاق النووي المبرم عام 2015، والذي من المقرر أن ينتهي في أكتوبر القادم. وتستعد الترويكا الأوروبية — فرنسا وبريطانيا وألمانيا — لتفعيل آلية "سناب باك" لإعادة فرض العقوبات التي رُفعت قبل نحو عقد من الزمن، ما لم تُحرز مفاوضات روما، التي تمثل الجولة الثانية من الحوار الأميركي الإيراني، أي تقدم ملموس.

مسار التفاوض: تفاهمات بطيئة وخلافات باقية

تشير مصادر دبلوماسية إلى أن المفاوضات بين واشنطن وطهران، رغم استئنافها في سلطنة عمان وتحركها نحو أوروبا، لا تزال تواجه "خلافات كبيرة"، وفق ما أعلنته إيران. كما أوضح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أن القدرات الرقابية للوكالة داخل إيران تراجعت بشكل كبير، مما يزيد من الغموض حول مدى التزام طهران ببنود الاتفاق السابق. ورغم تأكيد غروسي على استمرار التواصل مع الأطراف المعنية، إلا أنه وصف الوضع بـ"الصعب جدًا".

في هذا السياق، عرضت إيران عقد لقاء مع الترويكا الأوروبية في روما، لكن الأخيرة لم ترد رسميًا حتى الآن، وسط تردد واضح حول توقيت وأهمية مثل هذا الاجتماع. وذكرت مصادر أن إيران تسعى لعقد اللقاء قبل استئناف المفاوضات الأميركية الإيرانية المرتقبة في الثالث من مايو بأوروبا، في محاولة لكسب دعم أوروبي يقيها شبح العقوبات.

الأوراق السياسية والضغوط المتبادلة

الموقف الأوروبي الحالي يبدو متأرجحًا بين رغبة في تجنب التصعيد وإحباط من الجمود الإيراني. فرنسا لم تخف نيتها فرض عقوبات قاسية تشمل منع إيران من الوصول للتكنولوجيا والأسواق الأوروبية، ما سيكون له تبعات اقتصادية خطيرة على طهران. في المقابل، تؤكد إيران أنها مستعدة لتقديم تنازلات، مثل تقليص نسبة تخصيب اليورانيوم، لكنها ترفض أي اتفاق مؤقت بسبب "غياب الثقة" في الالتزام الأميركي.

وتتجلى معضلة أوروبا في توازنها بين الضغط على إيران والتنسيق مع الولايات المتحدة، التي لا تملك رسميًا حق تفعيل آلية العقوبات بعد انسحابها من الاتفاق في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2018. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تواصل لعب دور مؤثر في الكواليس، عبر محادثات غير مباشرة ومواقف تصعيدية ضمنية.

السيناريوهات المحتملة: نحو اتفاق جديد أم عودة للمواجهة؟

التحركات الدبلوماسية المكثفة تشير إلى أن نافذة الحل لا تزال مفتوحة، وإن كانت ضيقة. الخيار الأوروبي المتمثل في إعادة العقوبات عبر "سناب باك" قد يُستخدم كورقة ضغط لإجبار إيران على قبول اتفاق شامل يتضمن قيودًا صارمة على برنامجها النووي. وفي المقابل، تسعى طهران لتوسيع خياراتها عبر إشراك روسيا والصين، مع الحفاظ على قناة تواصل نشطة مع الأوروبيين والأميركيين.

ويبقى التساؤل المطروح: هل تدفع هذه التهديدات إيران لتقديم تنازلات حقيقية قبل حلول أكتوبر؟ أم أن الجمود الحالي سيقود إلى انهيار الاتفاق النووي ودخول المنطقة في موجة جديدة من التوترات؟

تجسد الأزمة النووية الإيرانية نموذجًا معقدًا لتشابك المصالح الدولية، حيث تتقاطع الاعتبارات الأمنية مع الحسابات الاقتصادية والسياسية. وفي ظل هشاشة الثقة بين الأطراف، يبدو أن أوروبا تسعى لحماية أمنها من خلال أدوات الضغط، فيما تراهن إيران على إطالة أمد المفاوضات لانتزاع أفضل الشروط الممكنة. وحتى يتضح مصير الاتفاق، تبقى المنطقة معلقة بين الأمل في تسوية دبلوماسية، والخشية من تصعيد قد لا تُحمد عقباه.