الجيش السوداني يصد هجوماً واسعاً لـ«الدعم السريع» على الفاشر..وتحذيرات أممية من تفاقم الأزمات الإنسانية

في وقت تشهد فيه محاور القتال بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" مواجهات وعمليات نشطة في كل من كردفان وأم درمان والنيل الأبيض شنت "الدعم السريع" أمس الإثنين هجوماً عنيفاً جديداً من أربعة محاور على مدينة الفاشر بشمال دارفور، وسبق الهجوم الذي استمر أكثر من سبع ساعات متواصلة بإشراف مباشر من نائب قائد "الدعم السريع" عبدالرحيم دقلو شقيق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وبمشاركة المسيرات الاستراتيجية، عاصفة من القصف المدفعي الثقيل على أحياء المدينة التي يعيش سكانها على حافة المجاعة منذ أشهر.
الهجوم "208"
وأوضح حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي أن الفاشر تمكنت من صد هجوم واسع بقيادة عبدالرحيم دقلو، وأجبرت المهاجمين على التراجع والفرار.
وأكد والي شمال دارفور حافظ بخيت أن الجيش والقوات المساندة له تصدت لهجوم واسع النطاق شنته "الدعم السريع" أمس الإثنين من ثلاثة محاور على مدينة الفاشر. وقال بخيت إن الهجوم رقم "208" استمر منذ التاسعة صباحاً وحتى الثالثة بعد الظهر، وسط تبادل مدفعي متقطع حتى بعد السادسة مساءً، "وتكبدت القوات المهاجمة خسائر كبيرة في الأرواح والآليات العسكرية، وقتل قائد القوة المتمردة العميد إدريس يونس، بينما فر الباقون".
كثافة ووحشية
أضاف بيان الوالي أن قصفاً مدفعياً عنيفاً سبق الهجوم مستهدفاً مختلف أرجاء المدينة ومتسبباً في مقتل عدد من المواطنين الأبرياء. كما أكد قائد الفرقة السادسة - مشاة اللواء ركن محمد أحمد الخضر أن قواته والقوات المساندة لها "سطرت ملاحم من البطولة والفداء في تصديها للهجوم الغادر على الفاشر".
مئات القتلى
وفي السياق أوضح المتحدث باسم القوات المشتركة المقدم أحمد حسين أن "الدعم السريع" استبقت الهجوم بقصف مدفعي مكثف على أحياء مدينة الفاشر ومعسكري نيفاشا وأبو شوك بمشاركة من الطيران المسير، وكشف حسين عن مقتل 246 مسلحاً وإصابة 133 من مسلحي "الدعم السريع" في الهجوم.
بدورها دعت لجان مقاومة الفاشر المواطنين إلى التحلي بأقصى درجات الحذر، والابتعاد عن التجمعات، وعدم التحرك بصورة عشوائية حفاظاً على الأرواح.
عمق المدينة
في المقابل قالت "الدعم السريع" إن قواتها أحرزت في هجومها أمس تقدماً جديداً باتجاه عمق مدينة الفاشر وبثت مقاطع فيديو على منصاتها بمواقع التواصل الاجتماعي تتحدث فيها عن وصول قواتها إلى منطقة السوق الشعبية وسط المدينة، وأنها باتت على مقربة من مقر قيادة الفرقة السادسة - مشاة للجيش، مناشدة المدنيين "الابتعاد عن المقار العسكرية وألا يصبحوا دروعاً بشرية". ووجهت "الدعم السريع" أيضاً نداءً إلى جميع المسلحين من الجيش والقوات المشتركة دعتهم فيه إلى إخلاء مدينة الفاشر مع التزامها تأمين ممرات للخروج وضمان سلامة كل من يلقي السلاح.
توقف الوجبات
وفي خطوة تزيد من تفاقم الجوع والمعاناة أعلنت تكايا ومراكز عدة لتقديم الوجبات الغذائية في المدينة توقفها عن العمل موقتاً إلى حين استقرار الأوضاع، وقال بيان لـ"تنسيقية لجان مقاومة الفاشر" إن "توقف وجبات المطابخ والتكايا يعني زيادة ساعات أطول من الجوع وسط الكبار والصغار".
دعم إنساني
ودعماً للجهود الإنسانية قدم الصندوق القومي للتأمين الصحي بولاية شمال دارفور حزماً علاجية متكاملة لدعم علاج مصابي العمليات العسكرية والمدنيين تسلمتها لجنة الطوارئ والإصابات بالفرقة السادسة - مشاة وعدد من الكوادر الطبية. وأوضح مدير الصندوق كرم الدين أحمد كرم الدين أن مكتب التأمين الصحي بمعسكر زمزم استأنف عمله في تقديم الخدمات العلاجية للنازحين والمصابين من داخل مدينة الفاشر بعد اجتياح "الدعم السريع" المعسكر.
مواجهات وتحذيرات
في محور العاصمة الخرطوم يتابع الجيش عملياته ضد "الدعم السريع" جنوب وغرب أم درمان، حيث تدور مواجهات عنيفة يضغط فيها الجيش بمنطقة الصالحة جنوب غربي أم درمان المعقل الأخير لهذه القوات بالعاصمة السودانية. وحذرت لجان مقاومة منطقة الصالحة بأم درمان من تحول المنطقة إلى مقبرة جماعية في ظل الحصار الخانق على المدنيين في المنطقة، وحذر بيان للجان من أن المنطقة تشهد انتشاراً متسارعاً لوباء الكوليرا مع انعدام كامل للأدوية وإغلاق الصيدليات أبوابها خوفاً من النهب والاعتداءات، وناشدت الأمم المتحدة التدخل العاجل لإنقاذ حياة آلاف المدنيين المهددين بالموت الجماعي.
وكشف نشطاء ومتطوعون من داخل منطقة الصالحة أن "الدعم السريع" منعت ذوي الضحايا الذين تمت تصفيتهم من دفن موتاهم أو حتى الاقتراب من جثامينهم التي لا تزال ملقاة أمام مكتب الكهرباء في المنطقة. وأوضح المتطوعون أن مسلحي "الدعم السريع" يمنعون المواطنين من مغادرة المنطقة ويغلقون الطريق الوحيد المؤدي إلى منطقة جادين المجاورة.
عمليات في كردفان
بدوره تفقد وإلى الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة مواطني الحارات المحررة بمحلية أم بدة جنوب أم درمان، ووعد بتقديم الدعم للتكايا والمرافق الصحية وخدمات المياه والكهرباء.
في محور كردفان كشفت مصادر ميدانية عن أن قوات الفرقة الخامسة - مشاة بمدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان تمكنت من تحرير منطقتي وارشال وخزان ودالبقة التي تضم خزاناً مهماً لمياه شرب الولاية.
من الجانب الآخر أكدت "الدعم السريع" في منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، تمكنها من السيطرة على مدينة الخوي الواقعة على منتصف الطريق الرابط بين مدينتي الأبيض والنهود بولاية شمال كردفان.
محادثات سودانية - مصرية
وسط هذه الأجواء اختتم رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان أمس زيارة إلى القاهرة أجرى خلالها محادثات موسعة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وعقد الجانبان جلسة محادثات مغلقة وأخرى موسعة بمشاركة وفدي البلدين بحثا خلالها سبل تعزيز التعاون الثنائي والمساهمة المصرية الفعالة في جهود إعادة إعمار وإعادة تأهيل ما دمرته الحرب في السودان، وتطرقت إلى التطورات الميدانية في السودان، والتقدم الذي حققه الجيش السوداني باستعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم. واتفق البلدان بحسب الرئاسة المصرية على مواصلة المشروعات المشتركة في مجالات حيوية مثل الربط الكهربائي والسكك الحديد والتبادل التجاري والثقافي والعلمي، فضلاً عن مجالات الصحة والزراعة والصناعة والتعدين. وأكد الجانبان رفضهما الإجراءات الأحادية بحوض النيل وتأكيد الأمن المائي المشترك للبلدين، وضرورة تكثيف الجهود لتوفير الدعم والمساعدة اللازمين للسودانيين المقيمين في مناطق الحرب.
الخارجية السودانية: جرائم "الدعم السريع" تؤكد طبيعتها الإجرامية
على نحو متصل شددت وزارة الخارجية السودانية على "أن الجريمة الجديدة التي ارتكبتها الميليشيات (في إشارة إلى "الدعم السريع") بتصفية 31 مواطناً جنوب مدينة أم درمان، تؤكد طبيعتها الإجرامية والإرهابية"، وأضاف بيان للخارجية "أن هذه الجريمة التي هزت الضمير الإنساني مع توعد متحدث باسم الميليشيات يقيم في عاصمة أوروبية بارتكاب مزيد من الجرائم المماثلة والخطاب الصادر من الميليشيات في شأنها، تعكس مدى استخفافها بالقيم الإنسانية. وقائع لا تترك أي مسوغ لعدم تصنيفها جماعة إرهابية".
تفاقم إنساني
أممياً حذرت الأمم المتحدة من التفاقم الحاد للأزمة الإنسانية بشمال دارفور في ظل استمرار الصراع، مطالبة الأطراف المتحاربة بالتقييد والالتزام بالقوانين الدولية والوقف الفوري لإطلاق النار. وشكا مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالسودان "أوتشا" من ضعف التمويل الدولي للقطاع الإنساني في السودان، حيث لم يتم تسلم سوى 10 في المئة من جملة 4.2 مليار دولار حتى الـ11 من أبريل الجاري. وأوضح تحديث إلى "أوتشا" عن الوضع الإنساني بالبلاد أمس، "أنه في وقت يحتاج نحو 30 مليون سوداني إلى المساعدات، قدم شركاء العمل الإنساني منذ بداية هذا العام وحتى مارس الماضي، مساعدات لـ8.6 مليون فقط".
عواقب وخيمة
وسط هذه الأجواء قالت منظمة الهجرة في تحديث لها إن نحو 50 ألف سوداني عادوا من مصر خلال أبريل الجاري، بما يمثل أكثر من ضعف عدد العائدين خلال الشهر السابق البالغ أكثر من 20 ألف عائد.