اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

جمود تفاوضي في أوكرانيا.. إصرار بوتين يربك جهود ترمب لوقف الحرب

الحرب الروسية الأوكرانية
محمود المصري -

تشهد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة حرجة بعد تسريبات أفادت بها وكالة "بلومبرغ" نقلاً عن مصادر مطلعة في موسكو، تشير إلى تمسك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمطلبه بضم أربع مناطق أوكرانية – دونيتسك، لوهانسك، زابوريجيا، وخيرسون – كشرط مسبق لأي اتفاق سلام محتمل. هذا الإصرار الروسي يُعد عقبة كبيرة أمام محاولات وقف إطلاق النار التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي يسعى للعب دور الوسيط بهدف إنهاء النزاع الذي استمر منذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في 2022.

ورغم أن روسيا لا تسيطر بالكامل على هذه المناطق الأربع، فإن بوتين يعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية بعد أن ضمتها موسكو رسميًا إلى دستورها عقب تنظيم استفتاءات مثيرة للجدل في مناطق سيطرتها العسكرية. هذا الواقع القانوني والسياسي الذي فرضته روسيا على الأرض يعقّد أية مفاوضات، ويقلل من مرونة الكرملين تجاه المقترحات الغربية.

وفي هذا السياق، كشفت مصادر أن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف حاول خلال محادثات طويلة مع الجانب الروسي إقناع بوتين بقبول وقف إطلاق نار قائم على خطوط التماس الحالية. غير أن رد الكرملين كان حاسمًا، حيث أصر بوتين على عدم التنازل عن أي من المناطق الأربع، مما أفشل الجولة الأخيرة من المفاوضات وأدى إلى ما يشبه الطريق المسدود.

ورغم استمرار المحادثات بشكل غير رسمي، فإن المسؤولين الأوروبيين أعربوا عن شكوكهم بشأن إمكانية حدوث اختراق دبلوماسي في ظل تعنت موسكو وغياب مؤشرات على استعدادها للتراجع. هؤلاء المسؤولون يعتقدون أن الأسبوعين القادمين سيكونان حاسمين في تحديد ما إذا كانت واشنطن ستواصل جهودها التفاوضية أو ستغير استراتيجيتها، إما بزيادة الضغط على موسكو أو بالانسحاب من الوساطة.

خلفية تاريخية

الأزمة تعود جذورها إلى عام 2014، حين ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بعد انتفاضة أوكرانية أطاحت بالرئيس الموالي لموسكو، فيكتور يانوكوفيتش. تلا ذلك نشوب صراع مسلح في شرق أوكرانيا، حيث دعمت روسيا الانفصاليين في دونيتسك ولوهانسك. وفي عام 2022، شنت روسيا غزوًا واسع النطاق على أوكرانيا، في محاولة لإعادة تشكيل خارطة النفوذ في أوروبا الشرقية ومنع أوكرانيا من الاندماج الكامل مع الغرب، لا سيما حلف الناتو.

الضم الروسي للمناطق الأربع الجديدة يشكل تكرارًا لنموذج القرم، ويكشف استراتيجية بوتين بعيدة المدى في تفكيك الدولة الأوكرانية، أو على الأقل إخضاعها لميزان ردع دائم.

الأبعاد الجيوسياسية:

تتجاوز هذه الأزمة الحدود الروسية الأوكرانية، إذ تمثل نقطة اشتباك رئيسية بين روسيا والغرب. بالنسبة لموسكو، فإن الحفاظ على النفوذ في أوكرانيا مسألة أمن قومي، بينما تراها واشنطن وحلفاؤها اختبارًا حاسمًا لمصداقية النظام الدولي القائم على احترام السيادة. ومن هنا، فإن الجمود الحالي لا ينبع فقط من تعنت الأطراف، بل من غياب رؤية مشتركة للنظام العالمي ما بعد الحرب.

في هذا المشهد، يحاول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أن يلعب دور الوسيط، مستندًا إلى علاقاته السابقة مع الكرملين وسعيه لإعادة بناء نفوذه السياسي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. غير أن افتقار مبادرته للدعم الأوروبي والمؤسسي، إضافة إلى تصلب بوتين، يجعل فرص النجاح ضئيلة دون تحولات جذرية في مواقف الطرفين.


المفاوضات تراوح مكانها بين منطق القوة الروسي ومنطق الشرعية الدولية الغربي. وبينما يسعى ترمب إلى تحقيق اختراق سياسي يعزز رصيده الانتخابي، يبدو أن الحل لن يأتي إلا عبر قنوات أعلى وأوسع، وربما بمواجهة طويلة تُرسم فيها خرائط توازن جديدة لأوروبا والعالم.