كشمير بين نار النزاع وثلوج الجبال.. أزمة مزمنة تتفجّر من جديد

رغم الجمال الطبيعي الأخّاذ في السهول الخضراء بجزء كشمير الخاضع لباكستان، إلا أن هذه المناظر الهادئة تخفي خلفها واحدة من أكثر الأزمات السياسية والدينية تعقيدًا في جنوب آسيا. الأزمة الكشميرية ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج سبعة عقود من الصراع الدموي والتجاذبات القومية والدينية، حيث تقف الهند وباكستان على طرفي نقيض منذ استقلالهما عن بريطانيا عام 1947، وكلتاهما تدّعي السيادة الكاملة على كشمير، بينما تسيطر كل واحدة على جزء منها، إلى جانب وجود شريحة صغيرة تخضع للصين.
جذور الأزمة:
بدأ النزاع عند تقسيم شبه القارة الهندية، حين قرر حاكم كشمير، ذو الغالبية المسلمة، الانضمام للهند، مما فجّر أول حرب بين الهند وباكستان عام 1947. ومنذ ذلك الحين، بقيت كشمير مقسّمة بخط وقف إطلاق النار المعروف بـ"خط السيطرة"، الذي يُعد من أكثر الحدود تسليحًا في العالم.
لكن النزاع ليس سياسيًا فقط، بل يحمل طابعًا دينيًا عميقًا؛ فالهندوس يرون في ضم كشمير حماية لوحدة البلاد، بينما يرى المسلمون في كشمير ساحة مظلومة تسعى للاستقلال أو للاندماج مع باكستان. وقد تصاعدت حدة العنف منذ عام 1989، مع انطلاق حركة تمرد انفصالية في الشطر الهندي تطالب بالتحرر من نيودلهي.
الهجوم الأخير وتصاعد التوتر:
الهجوم الدموي الذي وقع مؤخرًا في منطقة باهالجام السياحية، وأسفر عن مقتل 25 شخصًا، من بينهم سُياح ومرشدون، أعاد إشعال التوتر في المنطقة. ردود الفعل جاءت متطرفة، خاصة من جماعات هندوسية متشددة، اعتبرت الهجوم موجّهًا ضد الهندوس، مهددة بردود انتقامية ضد المسلمين داخل الهند، وليس فقط في كشمير.
رئيس جماعة "هندو سينا"، فيشنو جوبتا، أطلق تهديدات علنية شديدة اللهجة، تُلمّح إلى احتمال وقوع أعمال عنف جماعي ضد المسلمين. مثل هذه التصريحات تجد أرضية خصبة في مناخ سياسي واجتماعي يتسم بالاستقطاب منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى الحكم.
انتهاكات ممنهجة وردود حكومية عنيفة:
رد الحكومة الهندية لم يقتصر على الخطابات، بل شمل إجراءات عقابية مباشرة، من بينها شنّ حملات اعتقال واسعة طالت أكثر من 1500 شخص، وهدم منازل بزعم ارتباط أصحابها بالمسلحين، فيما بات يُعرف بـ"عدالة الجرافات". هذه الإجراءات تمت في مناطق مكتظة بالسكان، وأدت لتشريد مئات العائلات.
شهادات الضحايا كشفت عن استخدام مفرط للقوة، وهدم منازل في منتصف الليل دون محاكمة أو تحقق قضائي. إحدى النساء المتضررات، فريدة بانو، وصفت لحظة الانفجار الذي مزّق حيها بأنها كانت كابوسًا جماعيًا، عاقب فيه الجيش الأبرياء دون تمييز.
العقوبات السياسية والدبلوماسية ضد باكستان:
توجّهت أصابع الاتهام بسرعة نحو باكستان، إذ اتهمت الهند اثنين من المسلحين بأنهم باكستانيون، فيما نفت جماعة "جبهة مقاومة كشمير" – التي تبنت الهجوم مبدئيًا – علاقتها به لاحقًا. في المقابل، استخدمت حكومة مودي الحادث لتشديد الضغط على إسلام آباد، فأعلنت تعليق العمل باتفاقية مياه نهر السند، وطردت دبلوماسيين باكستانيين، وأوقفت إصدار التأشيرات، بل حجبت قنوات باكستانية على الإنترنت.
تأجيج المشاعر المعادية للمسلمين:
بعيدًا عن كشمير، أصبح المسلمون في عموم الهند هدفًا للكراهية والتحريض. في ظل تصاعد الخطاب القومي الهندوسي، وبدعم غير مباشر من السلطة، تصاعدت دعوات مقاطعة المسلمين والكشميريين، وتكررت حوادث الطرد والعنف والتمييز، حتى بات بعض الطلاب الكشميريين يختبئون في مساكنهم خوفًا على حياتهم.
أزمة تتجدّد على حافة الهاوية
ما يجري في كشمير ليس مجرد اضطرابات أمنية محلية، بل تجلٍّ خطير لصراع تاريخي لم تُوضع له حلول جذرية، تتقاطع فيه الهويات الدينية، والسيادة الوطنية، والمصالح الجيوسياسية. الوضع الحالي يُنذر بانفجار أكبر، قد لا يظل محصورًا في وديان الهيمالايا، بل ينعكس على استقرار جنوب آسيا بأكمله، خاصة في ظل وجود أسلحة نووية على طرفي النزاع.
هل هناك إرادة دولية حقيقية لإيجاد تسوية عادلة ودائمة لكشمير، أم أن المنطقة ستظل رهينة لحسابات القوة والتطرف والعقاب الجماعي؟.