خاصة بنهار رمضان.. المفتي يجيب علي أسئلة أثارت الجدل بين المسلمين
يعتبر شهر رمضان المبارك فرصة لتعزيز الإيمان والتقرب إلى الله تعالى من خلال الصيام والعبادة، وفي هذا الشهر الفضيل، يتجلى عظمة الدين الإسلامي وحكمته في توجيه المسلمين نحو الأفعال الصالحة والتحذير من المحظورات.
وفي لقاء رمضاني مثير بين مفتي الجمهورية والإعلامي حمدي رزق، تم استعراض عدد من المواضيع الهامة التي تتعلق بالإيمان والعبادة، ومن بين العناصر التي تمت مناقشتها، جاءت قضية كفارة الجماع في نهار رمضان والتفكير بالغيبيات، وأهمية حفظ العقل ورخصة الفطر في السفر.
في السطور التالية سنعرض ما تمت مناقشته في هذا اللقاء الرمضاني المثير.
أكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علَّام -مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم- أن العقل هبة إلهية تميز بها الإنسان عن بقية المخلوقات، وبناءً على هذه الهبة، يتحمل الإنسان التكليف والمسئولية في الحياة، كما يعتبر العقل المعيار الذي يحدد صفات الأشياء ويميز بين الكمال والنقصان، وبين الخير والشر، ويساهم في تحديد الأولويات وترتيب المصالح.
وأشار فضيلة المفتي إلى أن "حفظ العقل" من المقاصد الشرعية الضرورية، حيث يساهم في حفظ نظام الأمة الإنسانية واستدامة صلاحها، ويتم ذلك من خلال استغلال العقل بطريقة صحيحة، حيث يعتبر العقل الوسيلة الأصيلة للإنسان في تحقيق النجاح والاستقرار والتقدم.
وبناءً على ذلك، فإن الشرع الشريف يبيح للإنسان كل ما يساهم في سلامته وتنميته من خلال العلم والمعرفة، ويحظر كل ما يؤثر في إفساد العقل وضعف قوته، مثل تناول الخمر وما يشابهها من مواد ضارة. ويتم تطبيق هذا الحظر من خلال فرض عقوبات رادعة على من يخالفه.
وأكد فضيلة المفتي أن حفظ العقل يعتبر من أهم المقاصد الشرعية، وتضمن الإسلام منهجًا لبناء العقل من خلال التأمل في الكون والاستدلال بحكمة الخالق المتجلى فيه. ويتضح ذلك فيالاهتمام بتعلم العلوم والمعرفة، وفي التأمل والتفكر في آيات الله في القرآن الكريم. كما يشجع الإسلام على تعزيز العقل من خلال النقاش البناء والاستفادة من الآراء المختلفة، وتقوية القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة.
وفي سياق آخر، ينبه الإسلام إلى ضرورة تجنب المعاصي والمحرمات التي تؤثر سلبًا على العقل، مثل الغش والكذب والظلم والتشهير والانغماس في الشهوات الجسدية. فالاعتداء على العقوبات الشرعية لهذه المعاصي يعتبر ضربًا من الضرب على حفظ العقل واستقراره.
وردًّا على سؤال عن حكم الجماع في نهار رمضان شدد فضيلة مفتي الجمهورية على أنه إذا جامع المسلم الصائم زوجته في نهار رمضان بطل صومه ووجب عليه القضاء والكفارة؛ لما ورد أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ بِهِ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا، ثُمَّ جَلَسَ الرَّجُلُ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِكْيَالٌ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا»، قَالَ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا -طَرَفَيْهَا- أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَضَحِكَ النَّبَيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ«.
وأما اعتقاد البعض بتحمل المرأة التي شاركت في الجماع للكفارة، فقال: الحديث الصحيح الذي جاء فيه الصحابي يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه وقع بأهله في نهار رمضان قد ورد فيه حكمُهُ صلى الله عليه وآله وسلم بالكفارة عليه وحده، ولم يخبره بكفارة على امرأته، وهذا وقت الحاجة إلى إظهار الحكم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فلم يجب على المرأة إلا القضاء فقط.
وبالرد على سؤال يستفسر عن حكم رخصة الفطر في السفر أثناء نهار رمضان في السفر غير المرهق قائلًا إن الشرع الشريف قد ربط رخصة الفطر في السفر بتحقق قطع مسافة قصر وجمع الصلاة وهي 85 كم، دون نظر إلى ما يصاحب السفر عادة من المشقة.
وتابع إذا وُجد السفر وُجِدَت الرخصة، وإذا انتفى انتفت، أمَّا المشقة فهي حكمة غير منضبطة؛ لأنها مختلفة باختلاف الناس، فلا يصلح إناطة الحكم بها، ولذلك لم يترتب هذا الحكم عليها ولم يرتبط بها وجودًا وعدمًا؛ قال تعالى ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة 185].