وزير الأوقاف المصري يستعرض كنوز الجزء الثالث والعشرين من القرآن الكريم في ”اللؤلؤ والمرجان”

كتب -صابر رمضان
تناول الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف المصري، في حلقة جديدة من برنامجه "اللؤلؤ والمرجان" معاني ودلالات الجزء الثالث والعشرين من القرآن الكريم، مبينًا بعض ما فيه من الحكم والمعاني والمنن الإلهية؛ التي تفتح قلب الإنسان ووعيه على شهود معنى الألوهية، ومجد وجلال الألوهية، مؤكدًا أنه كلما أمعن الإنسان في التدبر والتفكر في النعم التي أفاضها الله تعالى على العباد؛ تولّدت في قلبه معرفة وشهود ومعاملة وخطاب وسلوك وسير إلى الله جل جلاله.
في بداية حديثه تناول وزير الأوقاف قول الله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ، وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ} (يس ٣٣-٣٤)، موضِّحًا أنَّ الله تعالى يذكر لنا في هذا الموضع منحة إلهية، نعمة من نعم المولى، قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (النحل ١٨)، هذه نعمة قد تحدث أمامنا كل يوم، ولكن الألفة والعادة تحجبان الإنسان عن شهود القدرة الإلهية والحكمة الربانية في الأشياء؛ فأشد ما يكون عدوًّا للإنسان هو أن يعتاد الأمور فتصيبه الغفلة عنها، ولذلك قال النبي ﷺ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ"، فالإنسان قد يعيش في نعمة الصحة التي أعطاها الله له وهو غافل عنها، ولا يشعر بقيمتها إلا عندما تزول.
كما أكَّد الوزير أن الألفة والعادة واعتياد الأمور والنعم أعداء للإنسان، إذ تصيبه بالغفلة، ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى يقرع الباب ويوقظ الإنسان كي يتنبه، فالله يقول لك: "خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ" (الأنبياء ٣٧)، والأرض التي تراها ميتة، أي جامدة لا حياة فيها، إذا نزل عليها المطر، فإنها تهتز وتتحرك وتتشقق، ويخرج منها النبات، ثم تنمو عليها أشكال من الحياة الدقيقة والكبيرة.
كما وقف وزير الأوقاف وقفة لغوية مع قول الله تعالى: {لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} (يس ٣٥)، مبينًا أن كلمة "ما" قد تكون اسمًا موصولًا بمعنى "الذي"، أي أن الله تعالى يقول: "ليأكلوا من ثمره، وليأكلوا مما صنعته أيديهم"، أي من هذه الثمار التي أوجدها لهم، أو قد تكون "ما" نافية، أي أن الله يقول: "ليأكلوا من ثمره، ولم تصنعه أيديهم"، أي أن الإنسان لم يخلق هذه الثمار، وإنما الله سبحانه هو الذي خلقها.
كما تناول وزير الأوقاف موضعًا آخر من سورة الصافات، مبينًا أن من عجائب سورة الصافات أنها سورة الإحسان والمحسنين، وتناول من خلال هذا المعنى قول الله تعالى عن سيدنا نوح -عليه السلام-: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (الصافات ٧٧-٨٠)، مبينًا أن الله تعالى أبقى لسيدنا نوح -عليه السلام- الذكر الحسن، فبعد وفاته بقرون، ما يزال الناس يذكرونه بكل خير، وهذا درس مهم للإنسان، حيث يقول المثل: "الإنسان سمعته وكلمته"، لذا يجب على المرء أن يسعى لترك أثر طيب بعد رحيله، لا أن يُذكر بالظلم أو الإساءة.
وبيَّن الوزير أن الله كرر المعنى في السورة ذاتها في حق سيدنا إبراهيم: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (الصافات ١٠٩-١١٠)، ثم في حق موسى وهارون –عليهما السلام-: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ( الصافات١١٩-١٢١)؛ وكذلك في حق إلياس –عليه السلام-: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (الصافات ١٢٩-١٣١)؛ فالله تعالى يصف أنبياءه الكرام بأنهم من المحسنين، والمحسن هو الذي يتقن العمل، لا يؤديه فقط، بل يجوده ويطوره بحب وإخلاص، كما كان حال أنبياء الله.
كما تناول الوزير موضعًا آخر من الجزء وهو الحديث عن سيدنا داود –عليه السلام-، حيث يقول الله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص ١٧)، مبينًا أن كلمة "أواب" تعني كثير الرجوع إلى الله، دائم الذكر والتسبيح، حتى أنه كان يسمع تسبيح الجبال معه.
كما تحدَّث ربنا –سبحانه- عن سيدنا سليمان –عليه السلام- بما أنعم عليه في الدنيا والآخرة بقوله تعالى: {هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (ص٣٩)، ثم قال: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ} (ص٤٠)، ثم قال سبحانه ختام هذا الجزء: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (الزمر ١٨). وبين الدكتور أسامة الأزهري أن هذا هو جوهر التدبر: أن نصغي، ونتذوق، وننتقي أحسن ما نسمع، لا أن ننجرف وراء كل قول.
واختتم وزير الأوقاف الحلقة بالتوجُّه إلى الله تعالى بالدعاء؛ أن ينير بصائرنا، ويهذبنا بأنوار القرآن الكريم.