ستارمر بين الأمن القومي والضغوط الأمريكية.. بريطانيا ترفع إنفاقها الدفاعي

يسعى رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، لتحقيق وعوده برفع مستويات المعيشة وتعزيز الاقتصاد، لكنه يجد نفسه مضطراً لمواجهة تحدٍ أكثر إلحاحًا: الحفاظ على أمن أوروبا في ظل الاضطرابات التي يشهدها النظام العالمي نتيجة سياسات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
في خطوة تعكس تغير الأولويات، أعلن ستارمر التزامه بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، ثم إلى 3% خلال العقد المقبل، ممولًا ذلك من تخفيض ميزانية المساعدات الخارجية. وتأتي هذه الخطوة في ظل موقف ترامب المتحفظ على دور الولايات المتحدة كـ"الضامن النهائي" لأمن أوروبا.
وقال ستارمر خلال مؤتمر صحفي من داونينج ستريت: "علينا إعادة النظر في نهجنا للأمن القومي والاستعداد لمواجهة عالم مضطرب"، مشيرًا إلى أن التطورات الأخيرة في السياسة الأمريكية سرعت من قراره بزيادة الإنفاق العسكري. وأضاف: "الطغاة مثل بوتين لا يفهمون سوى لغة القوة".
يتزامن هذا الإعلان مع زيارة ستارمر المرتقبة للبيت الأبيض، حيث يلتقي الرئيس ترامب في محادثات دبلوماسية حاسمة، تسبقها لقاءات مماثلة جمعت ترامب بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ويطالب ترامب الدول الأوروبية في حلف الناتو بزيادة إنفاقها العسكري إلى 5% من ناتجها المحلي الإجمالي. وتأمل بريطانيا أن يُنظر إلى التزامها الجديد على أنه استجابة لتلك المطالب. وأكد ستارمر: "الرئيس ترامب يرى ضرورة أن نفعل المزيد، وأنا أوافقه الرأي".
وفي خطوة داعمة، أجرى وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، محادثات مع نظيره الأمريكي، بيت هيجسيث، الذي وصف قرار بريطانيا بزيادة الإنفاق الدفاعي بأنه "خطوة قوية".
وتسعى بريطانيا، لاستغلال المحادثات مع ترامب لإعادته إلى صف الحلفاء، خاصة بعد القلق الذي أثارته المفاوضات الأمريكية المباشرة مع روسيا حول اتفاق سلام محتمل في أوكرانيا.
وعن لقائه المرتقب مع ترامب، قال ستارمر: "سأذهب لتعزيز هذه العلاقة ودفعها من قوة إلى قوة"، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تظل "التحالف الأهم" لبريطانيا. ورغم التوترات بين واشنطن وأوروبا، قد تشكل هذه التحديات فرصة لستارمر ليبرز كلاعب سياسي رئيسي على الساحة الدولية.
أكد ستارمر أنه سينظم محادثات مع القادة الأوروبيين نهاية الأسبوع الجاري بعد عودته من واشنطن، لكن نهج حكومته الحذر تجاه إدارة ترمب أثار انتقادات، خاصة من اليسار في حزب العمال. وأشار إد ديفي، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، إلى أن ترمب قد يخون حلفاءه الأوكرانيين، ما يهدد أيضًا أوروبا وبريطانيا. وأضاف أن المملكة المتحدة بحاجة لزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 3% بسرعة.
وأكد ستارمر أن الاختيار بين الولايات المتحدة وأوروبا سيكون "خطأ تاريخياً". وتزايد الإنفاق الدفاعي في بريطانيا يأتي في سياق القلق الأوروبي من ضمانات الولايات المتحدة لأمن أوكرانيا. ستارمر أشار إلى أن بريطانيا مستعدة لنشر قوات حفظ سلام إذا لزم الأمر، مع ضرورة ضمانات أمريكية للسلام.
أوليفيا أوسوليفان من مركز تشاتام هاوس رأت أن هذه اللحظة حاسمة بسبب تراجع دور الولايات المتحدة في ضمان أمن أوروبا. وأضافت أن ستارمر يواجه خيارات صعبة.
تحول ستارمر نحو التركيز على الدفاع والسلام في أوروبا بعد أن كان يركز على تحسين حياة المواطنين. هذا التغيير يعكس الاضطراب الجيوسياسي الناتج عن سياسة ترامب، ما دفع بريطانيا لزيادة الإنفاق العسكري رغم التحديات الاقتصادية. ستارمر أكد أن هذا الاستثمار سيعزز الاقتصاد البريطاني من خلال خلق فرص عمل ونمو.
لتغطية زيادة الإنفاق الدفاعي، سيقوم ستارمر بتخفيض ميزانية المساعدات الخارجية، وهي خطوة غير تقليدية بالنسبة لحزب العمال، مما عرضها لانتقادات من بعض نواب الحزب. ومع ذلك، لاقت هذه الخطوة دعمًا من حزب المحافظين والصحافة اليمينية.