دراسة علمية: الحنين إلى الماضي يدفع إلى الحفاظ على الصداقات

أظهرت دراسة علمية أن الأشخاص الذين يميلون إلى الحنين إلى الماضي هم أكثر عرضة للحفاظ على علاقات صداقة قريبة. وشارك في الدراسة حوالي 1500 شخص.
واكتشف العلماء أنه مع التقدم في العمر يزداد مستوى الحنين إلى الماضي، وأن أولئك الذين يشعرون به بشكل متكرر يحافظون على 18% من الروابط الاجتماعية القوية أكثر من غيرهم.
وقال الباحث الصيني كوان-جو هوانج، أحد مؤلفي الدراسة: "عندما نتقدم في العمر وتتغير حياتنا واهتماماتنا ومسؤولياتنا، من المرجح أن تستمر الصداقة لدى مَن يميلون إلى الحنين إلى الماضي".
وأظهرت نتائج دراسات أخرى أن الروابط الاجتماعية تحسن الصحة والوظائف الإدراكية وتطيل العمر. أما وجود الأصدقاء فيقلل من خطر الاكتئاب والوفاة المبكرة. ولكن مع التقدم في العمر، تضيق دائرة العلاقات الاجتماعية، وقد يكون الحنين إلى الماضي هو العامل الذي يساعد في الحفاظ على الصداقات.
وأظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يشعرون بالحنين إلى الماضي لديهم عدد أكبر من الأصدقاء المقربين. وإنهم يبذلون جهدا أكبر للحفاظ على العلاقات حتى مع التغيرات المرتبطة بالعمر ويحافظون على الروابط الاجتماعية. بينما يقل عدد العلاقات الوثيقة لدى الأشخاص الأقل حنينا إلى الماضي مع مرور الوقت.
وأوضح الباحث كوان-جو هوانج أن"الأشخاص الذين يشعرون بالحنين إلى الماضي بشكل متكرر ويقدرون تلك الذكريات، يدركون بشكل أفضل أهمية علاقاتهم ويحتاجون إلى الحفاظ عليها".
في الغالب يشعر الفرد بالأمان النفسي والراحة والاطمئنان بالعيش في الماضي الذي يألف أحداثه وأشخاصه، بينما قد يشعر بالخوف أو التوجس من المستقبل فيحكم عليه أحكاما خاطئة نتيجة تصورات ذهنية لحوادث مؤلمة لم تقع له وإنما وقعت لغيره؛ فيتصور أنه لا بد أن سيواجهها يوما ما. والغريب أنه لا يعيش اللحظة الراهنة فتنسحب منه لحظات السعادة من غير أن يستشعرها وتمر سريعا. يقول آلي لوندي: "إنه لأمر غريب كيف أننا نتمسك بالأشياء التي حدثت في الماضي في حين لا زلنا ننتظر ماذا سيحدث بالمستقبل".
لعل التغيرات البطيئة قديما خاصة في المظاهر الاجتماعية أتاحت للناس معالجة المشكلات بسهولة مقارنة بحجم التغيرات المتسارعة في هذا العصر والذي نجم عنها ظاهرة الاغتراب النفسي وصعوبة التكيف خاصة لدى كبار السن. أحيانا نشعر بالحنين لأماكن لم نزرها وظروف لم نعشها، ربما شاهدناها في فيلم قديم، أو عايشناها من خلال سماع أغنية طويلة، أو رواية طويلة جسدت آمالنا وأحلامنا، يعبر عنها كارسون مكولارس بقوله: "يمتلك البعض الكثير من الحنين للأماكن التي لا يعرفونها مطلقاً".
إلا أن الحنين إلى الماضي له أساس سيكولوجي، يطلق عليه مصطلح النوستولجيا أو النوستالجيا (الحنين إلى ماضٍ مثالي)، والذي ابتكره طالب الطب يوهانس هوفر بعد أن لاحظ أن مجموعة من العمال المأجورين السويسريين المغتربين عن أوطانهم كانت تظهر عليهم أعراض مرضية مشتركة مثل: أرق وعدم انتظام ضربات القلب، وعسر هضم، وتبين فيما بعد أن من أهم أسبابها الشوق والحنين إلى أوطانهم. ويشير علماء النفس أن النوستولجيا هي آلية دفاع يستخدمها العقل لتحسين الحالة النفسية ولتحسين المزاج خاصة عندما نواجه صعوبات في التكيف وعند الشعور بالوحدة، كما أن الحنين للماضي مهم للصحة العقلية والنفسية، وله فوائد جسدية وعاطفية؛ فهو أسلوب ناجح في محاربة الاكتئاب وقتيا ويعزز الثقة بالنفس والنضج الاجتماعي. وقد أثبت العلم الحديث الشعور النوستالجي باستخدام صورة الرنين المغناطيسي للدماغ.