دراسة حصرية لموقع اتحاد العالم الإسلامي..
ظاهرة ”الإسلاموفوبيا” في أوروبا وأمريكا.. المحفزات وحدود الاستمرار (الجزء السادس والأخير)
خامسًا- مقترحات مُعالجة ظاهرة "الإسلاموفوبيا": تأتي في مقدمة مقترحات معالجة الظاهرة، ضبط الإطار المنهجي لمفهوم الظاهرة، من خلال اهتمام المشروعات البحثية بضبط المصطلحات المتعلقة بالظاهرة، والعمل على تعميم المصطلحات المنضبطة في الأوساط الإعلامية، فالتصورات الذهنية الخاطئة عن الظاهرة تأتي من إطلاق المصطلحات الخاطئة، بالتالي التعامل معها بشكل خاطئ، مصطلح "الإسلاموفوبيا"يعني حالةالخوف المرضي غير المبرر من الإسلام، وهو توصيف منافٍ لواقع الظاهرة، من جانب؛ الظاهرة لا تقف عند حدود الخوف المرضي من الإسلام والمسلمين في كل الأحوال، بل تتعدى هذه المرحلة إلى الكراهية للإسلام والمسلمين المصحوبة باتخاذ عمل عدائي ضدهم. من جانب آخر؛ الخوف من الإسلام والمسلمين له مبررات في واقع الحال، فمن يقومون بالأفعال التي توصف بأنها ظاهرة، لهم مبررات لتلك الأفعال أو مجرد تخوفات، من يعلنون العداء أو يحملون مشاعر خوف تجاه الإسلام والمسلمين لديهم مبررات منطقية وفق تصورهم، سبق تحليلها في عرض الدراسة، لذا ضبط المفاهيم من شأنه تحديد الإطار النظري للظاهرة وتصوير المعطيات بشكل موضوعي، كبداية على طريق التعامل معها بشكل علاجي.
بناءً عليه؛ يتطلب من المهتمين بمكافحة الظاهرة، تسمية الأسماء بمسمياتها مثل؛ عندما يقع حادث ضد المسلمين يطلق عليه وفق تكيفه القانوني (جريمة تمييز، جريمة تحريض على الكراهية، جريمة تحريض، جريمة قتل، جريمة حرق)، ولا يفضل تسمية الحوادث المتعلقة بالظاهرة بجرائم "الإسلاموفوبيا"، لإضفاء عدم المشروعية على الحدث والتنفير من الفعل ومرتكبه كأي جريمة، والتعامل معه بوسائل الردع القانوني، أما حالة مشاعر الخوف من المسلمين والإسلام التي لا تقترن بفعل يشكل جريمة، يقترح أن يطلق عليها كراهية الإسلام والمسلمين أو العداء ضد الإسلام والمسلمين؛ ليتمكن الباحثون وصناع القرار من معالجة مسببات ذلك في إطار التعامل مع المرض بشكل علمي وعملي، لينتهي العرض.
في سياق آخر؛ بعد التشخيص الموضوعي للظاهرة من قبل المختصين، تتضح المعطيات التي تشمل الأعراض ومسبباتها وثغرات الردع، بغرض وضع خطة شاملة من قبل صناع القرار الرسميين والنشطاء في كفاح الظاهرة لتتبلور ملامح المعالجة العملية، التي يُمكن رسم ملامح مقترحات لها في التالي:
1. توحيد آلية لتقويض نشاط جماعات الإسلام السياسي في الغرب: من خلال توحيد معيار مفاهيم التطرف والإرهاب دوليًا لتتمكن المؤسسات التشريعية من تصنيف الجماعات الأصولية كتنظيمات إرهابية، وتكوين لوبي دولي وأوروبي داخل تلك المجتمعات للتخلي عن السياسات البراجماتية في التعامل مع تلك الجماعات، حيث تحرص بعض الدول في أوروبا وأمريكا على الاحتفاظ بورقة الإسلام السياسي، كسلاح ضغط متدفق تستخدمه في حروب الجيل الرابع، كما تحرص تلك الدول على الحفاظ على الاستثمارات التي تمكنت تلك الجماعات من صناعتها في أوروبا، وهذا من شأنه السيطرة على نشاط جماعات الإسلام السياسي، وخطاب الكراهية الذي تسعى لتعميمه في المناخ الأوروبي؛ مما يعد أهم محفزات الظاهرة، وينزع الشرعية عن تلك الجماعات أمام المسلمين الجدد الذين يسهل استقطابهم من تلك الجماعات على غير وعي، وأمام الأوروبيين من أصحاب الديانات الأخرى الذين يحملون مشاعر سلبية تجاه الإسلام والمسلمين.
2. الإدانة الحاسمة لأيديولوجية اليمين المُتطرف: اليمين المُتطرف عقيدة فكرية تتشاطر مع جماعات الإسلام السياسي ذات الملامح الخطرة على المجتمعات، من هنا يتحتم التعامل معها بذات آليات الردع، من تحديد تعريف موحد لليمين المُتطرف ونزع الشرعية عن خطابه وأهدافه، وتجريم وتصفية الجماعات التي يمثل خطابها إحدى أدوات إشعال الكراهية والعداء تجاه المسلمين، وإحياء مبادئ الاتحاد الأوروبي، التي قام عليها منذ إنشائه، من عدل ومساواة وحرية، محاولة حل المشاكل الأوروبية التي أسهمت في صعود أحزاب اليمين المُتطرف على حساب تيارات الديمقراطيين والليبراليين، ودعم التيار المعتدل لتتزن المعادلة في المناخ الأوروبي.
3. التنسيق المؤسسي العربي مع المؤسسات الإعلامية الأوروبية: من أجل تصدر الأصوات المعتدلة لتوضيح الخط الفاصل بين جماعات الإسلام السياسي والمسلمين، محاولة إطلاق استراتيجية إعلامية عاجلة تفضح من جانب مخططات جماعات الإسلام السياسي ومشروعها العالمي، مع التأكيد بأنها لا تعبر عن الإسلام والمسلمين، وإعداد كشوف بأسماء المؤسسات الدينية والتعليمية والسياسية للإخوان المسلمين وأتباعهم، وتكثيف تداول وعرض هذه الكشوف للتحذير من نشاطها على جميع الأصعدة، والتحذير من تطبيقات الفتوى التابعة لتلك الجماعات، التي تستهدف السيطرة على عقول المسلمين الأوروبيين، واتباع نفس الاستراتيجية مع جماعات اليمين المُتطرف.
4. إِحداث إصلاحات تشريعية أوروبية، ووضع ضوابط لمفاهيم حرية الرأي: عملت بعض الدول الأوروبية أخيرًا على سن تشريعات تجريم إهانة النصوص المقدسة مثل الدنمارك، حيث أقر البرلمان الدنماركي يوم 7 ديسمبر 2023 قانونًا يحظر المعاملة غير اللائقة للنصوص الدينية، بالتالي على جميع مؤسسات الدول الغربية تصحيح المسار التشريعي إعمالًا لأحكام القانون الدولي، حيث يفرض القانون الجنائي الدولي حماية على الأماكن المقدسة، ويجرم انتهاكها ويعتبرها جريمة حرب بموجب اتفاقية جنيف 1949، وتصنفها المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة ضد الإنسانية، وتدخل بالتالي ضمن الركن المادي لجريمة الاضطهاد الديني أو التمييز العنصري؛ بسبب الدين أو المعتقد بما يستوجب التزام الدول الأوروبية تضمين تشريعاتها لما يفعل تلك المبادئ.
5. تفعيل دور اللجان الاتفاقية الدولية، وتشجيع اللجوء الفردي المباشر إلى القضاء الدولي: من خلال التوعية بحق الفرد للجوء إلى القضاء الدولي واللجان الاتفاقية الدولية في حال انتهاك حق من حقوقه، بالتالي التوعية لهذا النوع من التقاضي وتقديم الشكاوي من خلال المنظمات والحقوقيين والأفراد، بهدف تكوين لوبي للضغط لاحترام حقوق الإنسان، فيما يتعلق بحرية ممارسة المعتقدات، وعدم التمييز على أساس الدين، للضغط على المؤسسات الأوروبية للعمل لتصحيح المسار التشريعي والتنفيذي لحماية الأقليات في أوروبا.
6. تحرك المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي؛ لتحسين الصورة ومُعالجة الظاهرة: من خلال إطلاق القوافل من الشخصيات الدعوية المعتدلة، كجزء من خطة تستهدف مخاطبة الغرب، وتحري الشخصيات القادرة على مخاطبة الغرب بثقافته، بهدف إظهار الوجه الحقيقي للإسلام وشرح الفرق بين منهج المسلمين ومنهج جماعات الإسلام السياسي من التاريخ والحاضر، وإحياء دور المؤسسات الصوفية والشخصيات الصوفية المؤثرة في أوساط الغرب، بالتنسيق مع المؤسسات الغربية، وإتاحة دور ومساحة للتعاون المؤسسي في هذه المجهودات الدعوية؛ بغرض إظهار وجه أكثر تسامحًا عن الإسلام، وإيجاد البديل الدعوي الآمن للمسلمين الأوروبيين .
في النهاية، يُمكن القول إن الانتشار المتسارع لظاهرة "الإسلاموفوبيا" من قبل أطرافها في دول العالم، سواءً الأوروبي أو الأمريكي، يتطلب مُحاصرة الظاهرة بجميع الوسائل القانونية والإعلامية وبالتوعية والتحذير من مخاطرها، عبر نشر العديد من الدراسات الأكاديمية، التي ربما تقدم رؤية لصانع القرار، تحفزه على اتخاذ خطوات جادة على المستويات كافة، التي تحد من تناحر الأطراف المتصارعة وتفاقم من مستوى الظاهرة عالميًا، بل هناك مسار آخر من الضروري الانتباه له، من قبل صناع القرار ومراكز الفكر والدراسات، وهو تزايد مساحة الظاهرة في الواقع الافتراضي، بما يُشكل خطرًا على أجيال العالم الجديدة، التي ربما تنتهي بالعالم أكثر دموية وانتهاكًا لحقوق الإنسان.