في أسابيع معدودة.. سياسات ترامب تفقد «وول ستريت» 6.5 تريليون دولار

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تزامن انتخابه مع أحلام كثير من الأمريكيين بتحقيق حياة مريحة وسياسات اقتصادية تخدم المواطن الأمريكي إلا أنه تفاجأ في الأسابيع الأولى لولايته بأن الأمور تبدو على غير ما يرام فيما وصفه ترامب نفسه بالتأثيرات المزدوجة لسياسات الرسوم الجمركية وتأكيده أنها «مرحلة انتقالية».
وتعيش «وول ستريت» تحت وطأة تأثيرات عاصفة لحالة عدم اليقين التي تفرضها سياسات الرسوم الجمركية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وانعكاساتها المحتملة على أكبر اقتصاد في العالم، وسط مخاوف متزايدة من «شبح الركود»؛ في وقت يخشى فيه المستثمرون أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى ارتفاعات واسعة بالأسعار، ومن ثم إضعاف النمو الاقتصادي بالبلاد.
وقد عزز إقرار الرئيس ترامب بالتأثيرات المزدوجة لسياسات الرسوم الجمركية، وإشارته إلى ما وصفه بـ«مرحلة انتقالية» للاقتصاد الأمريكي في تصريحات له نهاية الأسبوع الماضي، المشاعر السلبية في «وول ستريت». فيما لم تشفع تصريحات وزير التجارة هوارد لوتنيك، التي استبعد فيها سيناريو «الانكماش» مع إقراره في الوقت نفسه بأن أسعار بعض السلع سوف ترتفع، في تهدئة مخاوف الأسواق.
نمت تلك المخاوف تدريجياً منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ومع مضيه قدماً منذ اليوم الأول في 20 يناير الماضي في التلويح بسياسات الرسوم الجمركية ضد خصوم وحلفاء وجيران الولايات المتحدة الأمريكية على حد سواء. مع إعلانه لاحقاً عن فرض رسوم متبادلة في الثاني من أبريل المقبل، وذلك رغم أن تأجيل ترامب لفرض الرسوم على كندا والمكسيك كان قد أعطى فسحة للأسواق لتنفس الصعداء، لكن رسوما أخرى - بما في ذلك على الصلب والألومنيوم - من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ، علاوة على رفع الرسوم الجمركية على الصين.
وخلال 14 يوماً فقط، سجلت «وول ستريت» خسائر بلغت قيمتها حوالي 3.5 تريليونات دولار من القيمة السوقية، وهو ما يعادل في الحجم قيمة شركة «آبل» صاحبة أكبر قيمة سوقية في العالم، وأكبر من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة.
وتُظهر بيانات CompaniesMarketCap أنه حتى نهاية الأسبوع الأول من مارس تهاوت القيمة السوقية الإجمالية للأسهم الأمريكية إلى 58.7 تريليون دولار نزولاً من 62.2 تريليون دولار في 19 فبراير، بما يمثل تراجعاً بأكثر من 5.5%.
هذه الخسائر التي تكبدتها الأسهم الأمريكية خلال أسبوعين فقط، والتي تعادل قيمتها قيمة شركات ميتا وتسلا ونتفليكس مجتمعة، هي جزء من 6.5 تريليون دولار قيمة الخسائر الإجمالية منذ فوز ترامب وعودته إلى البيت الأبيض.
ولم تقتصر تلك المخاوف التي تعم الأسواق عند حد التأثير في «وول ستريت» والشركات الأمريكية الكبرى بشكل خاص، بل امتدت لتشمل قلقاً أعمق بشأن آفاق الاقتصاد الأمريكي، وفي وقت خفضت فيه كل من غولدمان ساكس ومورغان ستانلي توقعات النمو؛ جراء المخاوف المرتبطة بتأثيرات الرسوم الجمركية وما يرتبط بها من حالة عدم يقين.
ويشير الاقتصادي الأمريكي، النائب السابق لرئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في فيلادلفيا، أريس بروتوباباداكيس، إلى أن التراجعات التي تشهدها «وول ستريت» تعني أنها تأخذ احتمال اندلاع حرب تجارية على محمل الجدل.
كما يلفت في الوقت نفسه إلى أن المخاوف التي يُعبر عنها المستهلكون الأمريكيون بشأن صحة الاقتصاد هي مخاوف حقيقية ومبررة.
وارتفع «مؤشر الخوف» أو مؤشر التقلبات في بورصة شيكاغو، بنحو 19%، يوم الإثنين، مسجلاً أعلى مستوى منذ سبعة أشهر تقريباً.
وتاريخياً ارتبطت الرسوم الجمركية عادة بتصاعد المشاعر السلبية في الأسواق، وحتى قيادة الأسواق لاضطرابات واسعة. ويستدل بروتوباباداكيس، على كون «مخاوف المستثمرين حقيقية ومبررة» بالإشارة إلى أن الكساد الكبير خلال ثلاثينيات القرن العشرين وبداية عقد الأربعينيات اتسع نطاقه بدفعٍ من «نكسة نقدية» مرتبطة بتعريقات جمركية مرتفعة بموجب قانون سموت-هاولي في العام 1930 (الذي فرض سياسات حمائية، بموجبها تم فرض تعريفات جمركية على نحو 25% من السلع المستوردة في الولايات المتحدة)، معتبراً أن ذلك السيناريو ليس بالسيناريو الهين بالنسبة للأسواق. ويشدد أستاذ المالية العامة في كلية مارشال لإدارة الأعمال بجامعة جنوب كاليفورنيا، على أن «المخاوف التي تحرك معنويات المستهلك سوف تنعكس أيضاً في كيفية إدراك الأسواق لحالة الاقتصاد».وشهدت الأسهم الأمريكية تراجعات حادة، الإثنين، قادت إلى خسائر فادحة هي الأكبر من نوعها منذ العام 2022 في ضوء حالة عدم اليقين المرتبطة بسياسات الرسوم الجمركية، ومخاوف الدفع بالاقتصاد الأمريكي إلى حد الركود، رغم تقليل عديد من خبراء الاقتصاد من احتماليات وفرص ذلك السيناريو، مراهنين على صلابة الاقتصاد التي أشار إليها رئيس الاحتياط الفيدرالي، جيروم باول، في أحدث خطاباته.
خسر مؤشر ناسداك المركب نحو 4% ليمحو حوالي تريليون دولار، في أكبر خسائره خلال عامين ونصف عام، مع التراجعات الحادة التي شهدتها أسهم التكنولوجيا، استمراراً لمسلسل نزيف الشركات الكبرى، والذي أفضى لتسجيل أكبر ست شركات تكنولوجيا في الولايات المتحدة خسائر بلغت 2.2 تريليون دولار من قيمتها السوقية منذ مطلع العام الجاري 2025. وفقد مؤشر داو جونز 890 نقطة في جلسة واحدة، بتراجع أكثر من 2%، في أكبر خسارة يومية خلال قرابة ثلاثة أشهر. كما تراجع ستاندر آند بورز 500 بنحو 2.7% مغلقاً تعاملات يوم الإثنين عند أدنى مستوياته في ستة أشهر.
سياسات ترامب
ويسعى ترامب إلى إحداث تأثير واضح في ولايته الثانية، مستخدماً الرسوم الجمركية كأداة ضغط، وقد فرضها أكثر من مرة ثم تراجع عنها، وفقاً لما يخدم استراتيجيته التفاوضية، وستكون الأيام المقبلة محورية في تحديد الاتجاهات الرئيسة لتلك الرسوم.
وبحسب رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، فإن الأنظار تتجه إلى بداية شهر أبريل المقبل؛ ذلك أنه من المتوقع أن تتضح ملامح التعريفات الجمركية التي يعتزم فرضها على عدد من الدول، ما سيشكّل اختباراً حقيقياً لردة فعل الأسواق. ورغم احتمال استمرار الضغوط على المدى القريب والمتوسط، إلا أن التوقعات تشير إلى انتعاش ونمو في الأسواق الأمريكية على المدى الطويل.
ولا يتوقع حدوث انهيارات حادة في سوق الأسهم، بل «ما سنشهده على الأرجح هو تصحيحات صحية». وعلى المدى الطويل، يطمح ترامب إلى تعزيز الاقتصاد الأمريكي بما يتماشى مع شعاره «جعل أمريكا عظيمة مجدداً»، رغم إدراكه أن هذه الاستراتيجية قد تحمل آثاراً سلبية على المدى القصير والمتوسط، وهو على استعداد لتحمل هذا الألم المؤقت لتحقيق مكاسب مستقبلية.
ويبقى السؤال مطروحاً: هل سيُجري ترامب تعديلات على سياساته الاقتصادية؟ وخصوصاً أنه لطالما اعتُبر صديقاً للأسواق الأمريكية، مدركاً أن صحة الاقتصاد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأداء الأسهم. وفي مقابلة مع فوكس نيوز، أكد ترامب أنه لا يرى ركوداً اقتصادياً في الأفق، ما يعكس ثقته بصلابة الاقتصاد الأمريكي رغم التحديات.
تقييمات مرتفعة
على الجانب الآخر، فإن بعض المحللين يرون رد فعل الأسواق «مبالغاً فيه» بعض الشيء، وأن جزءاً من التراجعات يعود بالأساس إلى التقييمات المرتفعة للأسهم، ولا سيما أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
ويقول مدير الاستثمار في شركة AJ Bell، روس مولد، إن «الموجة الصعودية الأخيرة التي شهدتها الأسواق - قبل التراجعات الحادة الأخيرة - جاءت مدفوعة بحمى أسهم الميم، وشركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة والصناديق المتداولة ذات الرافعة المالية، وتعكس ذروة النشاط المضاربي، وقد كان المزاج العام يتجه نحو «المخاطرة»، وبالتالي فإن العودة إلى شيء من الحذر والتأمل العميق قد لا تكون أمراً سيئاً».
ويشير إلى أنه مع وصول مؤشر التقلبات إلى 29، متجاوزاً متوسطه طويل الأجل البالغ 19، لا يُستبعد ظهور محاولات حذرة لشراء الانخفاض (تحركات من المستثمرين للاستفادة من تراجع الأسعار). وقد كان المؤشر قد بلغ ذروته عند 39 خلال التراجع الصيفي في أغسطس الماضي، ما يعني أن التقلبات قد تستمر.
ورغم ذلك، يُنظر إلى مؤشر التقلبات غالباً كمؤشر معاكس، حيث إن انخفاضه بشكل مفرط قد يعكس حالة من الرضا المفرط والمخاطرة غير المحسوبة، بينما يشير ارتفاعه إلى تراجع شهية المخاطرة وتقييمات أكثر جاذبية، وفق مولد.