كاريزما الرئيس الصيني التي تُربك ترامب.. صراع شخصيات يعكس موازين قوى عالمية جديدة

رغم التناقض الظاهري بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، فإن الصراع بينهما يتجاوز البعد الشخصي، ليمثل انعكاسًا لتحول في مراكز القوى العالمية، وصراعًا بين نموذجين للحكم، أحدهما صاخب ومبني على الفوضى والشعبوية، والآخر هادئ ومنضبط ومدفوع برؤية استراتيجية طويلة الأمد.
كاريزما "شي" التي تُربك ترامب
أكثر ما يثير ضيق ترامب ليس مجرد سلوك شي الهادئ، بل حضوره الطاغي وقدرته على ضبط نفسه، ما يمنحه كاريزما من نوع مختلف. في نظر ترامب، الذي يميل إلى الظهور والمواجهة المباشرة، يبدو هذا الهدوء الصيني تعاليًا مقصودًا، أو تجاهلًا مهينًا، خصوصًا حين يصدر من زعيم يُجسّد نقيض "الترامبية": الانضباط بدلاً من العفوية، والتخطيط الصبور بدلاً من الاندفاع.
تاريخيًا، لم يُظهر رؤساء الولايات المتحدة ترحيبًا بزعماء يمتلكون كاريزما قوية في معسكر الخصوم، خاصة إن اقترنت بالنجاح الاقتصادي والسياسي، حتى ولو كانوا ديكتاتوريين. لذلك، لم يكن غريبًا أن يعبر ترامب – رغم عدائه اللفظي للصين – عن إعجابه بالرئيس شي، بل وتمنيه في لحظات أن يحكم كما يفعل شي "دون سقف زمني".
الصين الجديدة.. من دولة هامشية إلى لاعب مهيمن
ما لم يستوعبه ترامب تمامًا هو أن الصين لم تعد تلك الدولة الفقيرة المنغلقة. اليوم، الصين تملك ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وتتحكم باحتياطات نقدية تتجاوز 3.24 تريليون دولار، وتغزو منتجاتها الأسواق العالمية بلا منافس حقيقي.
لم تعد "كاريزما شي" هي العامل الوحيد الذي يصنع له الهيبة، بل بات يمتلك أدوات هيمنة حقيقية: تفوق صناعي، قدرات تكنولوجية، وسلاح استراتيجي جديد يُقلق الولايات المتحدة: المعادن النادرة.
المعادن النادرة.. السلاح الصامت في الحرب التجارية
في عام 2019، تجوّل الرئيس شي في معرض للمعادن، وأطلق عبارته الشهيرة: "المعادن النادرة مورد استراتيجي حيوي". اليوم، بعد ست سنوات، تحوّلت تلك العبارة إلى واقع يرعب صانعي القرار الأمريكي.
الصين تُنتج 61% من المعادن الأرضية النادرة عالميًا، وتُهيمن على 92% من عمليات معالجتها، وهي معادن لا غنى عنها في الصناعات المتقدمة من الهواتف الذكية إلى الطائرات المقاتلة. هذه الهيمنة لا تُقابلها قدرة أمريكية على الرد بالمثل، على عكس الحروب التجارية التقليدية التي تعتمد على الرسوم الجمركية.
هنا، لا يملك ترامب خيارات واسعة، فالمعركة تدور في ميدانٍ يجهله، وتُدار بأسلحة لا يُجيد استعمالها، بعكس شي الذي يُتقن العمل بصمت ويُوجّه ضرباته في الوقت المناسب.
بين ماو وترامب.. فوضى تحت السماء
رغم ما يُقال عن تشابه الرئيس شي مع الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، فإن الفرق الجوهري بينهما أن ماو كان يستمتع بالفوضى ويُوظف الجماهير كأداة للفعل السياسي، بينما شي يميل إلى النظام والانضباط المؤسساتي داخل الحزب الشيوعي.
الغريب أن من يُشبه ماو في هذه المعادلة هو ترامب نفسه، الذي يرى في الفوضى أداة للتغيير. باحثون مثل "تشانج تشيان فان" شبّهوا ترامب بماو في ميله للاضطرابات، وخطابه الشعبوي، وحملاته المستمرة لتحديد "الأعداء والأصدقاء"، واستخدام الانقسام الداخلي كوسيلة لتعزيز النفوذ السياسي.
قال ماو ذات يوم إن "السؤال الأهم للثورة هو: من هم أعداؤنا؟ ومن هم أصدقاؤنا؟"، وهو نفس الخطاب الذي استخدمه ترامب لتعبئة قاعدته، عبر تصوير "العدو من الداخل" كخطر يفوق الصين وروسيا.
الديكتاتور المحبوب.. ثم المكروه
في مفارقة لافتة، صرّح ترامب ذات مرة بأنه يكره الصين لكنه يحب شي. هذا الحب لم يدم، فقد تحوّل إلى كراهية بعد أن أدرك أن "الرئيس الهادئ" يتقدّمه بخطوات في كل ميدان، وأنه ليس مجرد زعيم كاريزمي، بل قائد حقيقي يمتلك مفاتيح القوة في عالم متغيّر.
الصراع بين ترامب وشي ليس مجرد تنافس بين شخصيتين، بل يمثل مواجهة أوسع بين نموذجين للعالم: الأول تحكمه الفوضى والاضطراب والرغبة في تفجير الوضع الداخلي لتحقيق الهيمنة السياسية، والثاني يراهن على الصبر، النظام، والتكامل الاستراتيجي لبسط النفوذ العالمي.
في النهاية، ربما لا يزعج ترامب فقط أن شي يتجاهله، بل أن هذا التجاهل مبني على وعي بالقوة، وثقة بالمكانة، وشعور بالتفوق، لا يحتاج إلى استعراض.