عدوان مركّب.. حين تتحوّل جنين إلى ثكنة.. وغزة لمقبرة جماعية
دخل العدوان الإسرائيلي المستمر على مدينة ومخيم جنين شهره الرابع، في مشهد يتعدى العمليات العسكرية إلى ما يشبه الاحتلال الفعلي. فالمنازل تُحرَق وتُجرف، وتُحوَّل أخرى إلى ثكنات عسكرية، فيما يُحاصر السكان وسط حصار متصاعد وتهديد دائم بالترحيل أو القتل.
منذ الساعات الأولى ليوم الأحد، كثف جيش الاحتلال عملياته الميدانية، فاعتقل شابين من بلدة عرابة جنوب جنين بعد اقتحام منزليهما، كما توغلت قوات الاحتلال مدعومة بجرافات عسكرية في بلدات كفردان والحرية، وفرضت طوقًا أمنيًا واسعًا على المخيم ومحيطه. بالتوازي، يستمر الجيش في بناء سواتر ترابية قرب مسجد بُلبلة عند المدخل الشمالي لمخيم جنين، مع تحليق طائرات مسيرة بشكل متواصل في سماء المدينة، في مشهد يومي من الترهيب والسيطرة.
أزمة النزوح في جنين
وفي ظل هذا العدوان، تتفاقم أزمة النزوح في جنين، إذ كشف محافظها كمال أبو الرب عن وجود أكثر من 21 ألف نازح موزعين على مناطق مختلفة، بينهم 6000 في مدينة جنين، و3200 في سكن الجامعة العربية الأمريكية، في حين تستضيف بلدة برقين وحدها 4181 نازحًا. وفي محاولة للتعامل مع هذا النزوح الجماعي، تعمل وزارة الأشغال على إنشاء وحدات سكنية مؤقتة (كرافانات) في منطقة وادي برقين.
إلى جانب ذلك، يواصل الجيش تدريباته الحية في محيط حاجز الجلمة، وسط إطلاق نار متقطع، ما يؤكد أن المنطقة تحوّلت إلى مسرح مفتوح للعمليات العسكرية المستمرة، في حين يعمد المستوطنون إلى إعادة إحياء مستوطنة "سانور" المخلاة جنوب جنين عبر زرع أشجار وتنظيم اقتحامات، في خطوة تحمل رمزية عالية عن نية التوسّع والاستيطان.
منذ بداية هذا العدوان قبل 90 يومًا، ارتقى 38 شهيدًا في محافظة جنين، واعتُقل العشرات، فيما لا تزال المخاوف قائمة من عمليات تهجير واسعة النطاق شبيهة بما يحدث في غزة.
غزة.. مجازر بلا انقطاع وأرقام تكشف عمق الكارثة
في قطاع غزة، يتواصل العدوان الإسرائيلي الشامل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مخلفًا أرقامًا مأساوية تجاوزت كل التقديرات، مع استشهاد أكثر من 51,157 مواطنًا، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، إلى جانب أكثر من 116,724 جريحًا، في ظل انهيار شبه كامل للقطاع الصحي، واستمرار الحصار الجوي والبري والبحري.
وفي أحدث موجات التصعيد، استشهد سبعة فلسطينيين اليوم الأحد، بينهم مزارعون استُهدفوا في بلدة عبسان شرق خان يونس، وآخرون جراء القصف المدفعي على منطقة المواصي. كما انتُشلت جثامين شهداء من تحت أنقاض منازل مدمرة، وسط صعوبات هائلة في وصول طواقم الإنقاذ إلى الضحايا بسبب استمرار القصف والانهيار الشامل للبنية التحتية.
ويؤكد الدفاع المدني في غزة أن آلاف الضحايا لا يزالون تحت الأنقاض، وسط انقطاع الكهرباء والمياه وغياب الأمن الغذائي، ما يجعل الوضع الإنساني في القطاع أشبه بكارثة إنسانية مستدامة.
القدس.. تكريس التقسيم الزماني والمكاني للأقصى
في القدس المحتلة، تواصل الجماعات الاستيطانية اقتحاماتها للمسجد الأقصى تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال، حيث اقتحم العشرات من المستوطنين باحات المسجد على شكل مجموعات، وأدوا طقوسًا تلمودية استفزازية.
الاحتلال بدوره حوّل البلدة القديمة إلى ثكنة عسكرية، فنشر مئات الجنود على بوابات الأقصى، وشدّد من إجراءاته الأمنية ضد الفلسطينيين، مانعًا دخول عدد كبير من المصلين. هذه السياسة الممنهجة تأتي في سياق فرض وقائع جديدة تهدف إلى ترسيخ التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، ما يشكل تهديدًا مباشرًا على هوية القدس ومكانتها الدينية والسياسية.
يتضح من مشهد جنين وغزة والقدس أن الاحتلال الإسرائيلي يتبع استراتيجية مركّبة تقوم على فرض السيطرة الميدانية، وتهجير السكان، وتدمير البيئة الحضرية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، سواء عبر المجازر في غزة، أو الحصار العسكري لجنين، أو السياسات التهويدية في القدس.
ومع دخول العدوان شهره السابع في غزة والرابع في جنين، تتكشّف نوايا الاحتلال في توسيع نفوذه الجغرافي وتفكيك البنية المجتمعية الفلسطينية، في ظل عجز دولي واضح، وانعدام أي أفق سياسي للحل، واستمرار معاناة المدنيين الذين يُتركون وحيدين في مواجهة آلة حرب لا ترحم.
