اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

هدنة عيد الفصح بين روسيا وأوكرانيا.. محاولة مؤقتة للسلام تنهار تحت نيران التشكيك والتصعيد

هدنة عيد الفصح بين روسيا وأوكرانيا.. محاولة مؤقتة للسلام تنهار تحت نيران التشكيك والتصعيد
هدنة عيد الفصح بين روسيا وأوكرانيا.. محاولة مؤقتة للسلام تنهار تحت نيران التشكيك والتصعيد

في خضم الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا، أطل عيد الفصح الأرثوذكسي على مشهد دموي لم يُخمده نداء السلام. فقد أعلنت موسكو من جانب واحد وقفاً لإطلاق النار مدته 30 ساعة، ابتداءً من مساء السبت وحتى منتصف ليل الأحد، بحجة احترام المناسبة الدينية، إلا أن ما تبع ذلك كان تبادلًا للاتهامات بانتهاك الهدنة وتصعيداً ميدانياً كشف هشاشة أي مساعٍ لوقف النار.


الإعلان الروسي ومؤشرات أولية للتفاهم


إعلان الهدنة الروسية تزامن مع حدث بارز: أكبر عملية تبادل أسرى بين الطرفين منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من ثلاث سنوات، ما أشار إلى بوادر تقارب - ولو جزئي - قد تمهد لتفاهمات أوسع. كما جاء على خلفية تهديد أميركي مباشر بالانسحاب من الوساطة، في حال لم يبدِ الطرفان جدية في التوصل إلى حل سياسي، وهو ما أعطى بعداً ضاغطاً على الطرفين، خاصة موسكو.


تصعيد على الأرض وتبادل اتهامات


لكن الواقع الميداني لم يعكس أجواء التهدئة، إذ سرعان ما اتهمت وزارة الدفاع الروسية كييف بارتكاب أكثر من ألف خرق للهدنة خلال 24 ساعة فقط، شملت 444 عملية قصف، و900 هجوم بطائرات مسيّرة، منها 48 طائرة أطلقت خلال الليل. كما تحدثت موسكو عن سيطرتها على بلدة نوفوميخايلفكا شرقي أوكرانيا، ووقوع ضحايا مدنيين جراء هجمات أوكرانية على مناطق حدودية مثل بريانسك وكورسك وبيلغورود.
في المقابل، اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي روسيا بـ"التظاهر بالالتزام بالهدنة"، مشيراً إلى استمرار محاولات هجومية على بعض الجبهات، وتسجيل عشرات حوادث القصف ومحاولات الاقتحام خلال ليلة السبت وصباح الأحد. ورغم تسجيل انخفاض نسبي في مستوى القتال، إلا أن الجيش الأوكراني أكد أن "الهدنة لم تكن واقعية منذ البداية".


عيد الفصح.. رمز للسلام أم فرصة للمناورة؟


من الناحية الرمزية، كان يمكن لعيد الفصح أن يكون مناسبة لكسر الجمود الدموي، وفتح نافذة حوار أوسع. لكن تعاطي الجانبين مع الهدنة يكشف عن انعدام الثقة، بل واستغلال كل بادرة سياسية لتسجيل نقاط عسكرية أو دعائية.
زيلينسكي عرض تمديد الهدنة إلى 30 يوماً، بشرط توقف روسيا عن التصعيد، مؤكداً أن "مقترح وقف إطلاق النار لا يزال مطروحاً، لكنه بحاجة إلى نوايا صادقة من الطرف الآخر". وألمح إلى أن الرد الروسي على هذه المبادرة سيكشف حقيقة نوايا موسكو، لا سيما في ظل التوتر المتزايد على أكثر من جبهة.


الولايات المتحدة بين الوساطة والإنذار


الموقف الأميركي اتسم بالضغط العلني المتزايد. فقد أشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى وجود "فرصة جيدة" لإنهاء الحرب، لكنه ربط ذلك بضرورة "تحرك سريع" نحو اتفاق. وهدد بالانسحاب من الوساطة ما لم تتوقف المماطلة من الطرفين. تصريحاته جاءت بعد تحذير وزير الخارجية ماركو روبيو من أن واشنطن قد تتخلى عن جهود الوساطة خلال أيام، ما لم تظهر مؤشرات ملموسة على نية التوصل لتسوية.
واشنطن كانت قد رعت اتفاقين جزئيين سابقين يتعلقان بالبنية التحتية للطاقة والملاحة في البحر الأسود، إلا أنهما تعثرا لاحقاً، ما ولّد إحباطاً في الأوساط الأميركية حيال فرص نجاح أي مبادرة دون إرادة سياسية حقيقية من موسكو وكييف.

دلالات سياسية وعسكرية


تفكك الهدنة بهذه السرعة يعكس هشاشة المشهد السياسي والعسكري، حيث يغيب الطرف الثالث الضامن، وتنتفي أدوات المراقبة أو التحقق من التنفيذ. كما أن هذا الإخفاق يسلّط الضوء على التناقض بين التصريحات العلنية للرغبة في التهدئة، والحقائق الميدانية التي تشير إلى رغبة كل طرف في تحسين موقعه العسكري قبل أي مفاوضات مستقبلية.

محاولة وقف إطلاق النار في عيد الفصح لم تكن سوى اختبار للنوايا، وفشلت في إثبات وجود إرادة حقيقية للسلام لدى الطرفين. وبين مبادرات شكلية وتصعيد ميداني، تبقى الوساطة الدولية في مأزق، بينما تستمر معاناة المدنيين في المناطق المنكوبة. لقد كشفت هذه الهدنة عن عمق الانقسام، وفقدان الثقة، وغياب الأرضية المشتركة لأي حل في المدى المنظور.

موضوعات متعلقة