هدنة على المحك.. واشنطن تراجع وساطتها في حرب أوكرانيا وروسيا.. وأوروبا تعود بقوة إلى الطاولة

في تحوّل لافت قد يؤثر على مسار الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن الولايات المتحدة بصدد مراجعة التزامها بمساعي الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، مشيرًا إلى أن القرار بوقف هذه الجهود قد يُتخذ خلال أيام، في حال عدم ظهور مؤشرات واضحة على إمكانية تحقيق اختراق حقيقي في مفاوضات السلام.
وفي تصريحات أدلى بها من باريس بعد اجتماعات مع قادة أوروبيين وأوكرانيين، قال روبيو إن إدارة الرئيس دونالد ترمب لن تستمر في جهود الوساطة إلى أجل غير مسمى، مضيفًا: "يجب أن نحدد خلال أيام ما إذا كان التوصل إلى اتفاق ممكنًا خلال الأسابيع المقبلة، وإذا لم يكن كذلك، فسنُعيد تركيز أولوياتنا".
تصريحات روبيو تضع مزيدًا من الضغوط على الأطراف المعنية، وتعكس نفاد صبر الإدارة الأميركية من جمود العملية السياسية. كما تعكس تغيرًا في خطاب ترمب نفسه، الذي كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب خلال 24 ساعة من توليه الرئاسة، قبل أن يخفف لاحقًا من حدة تعهداته ويقترح حلولًا تدريجية تبدأ من أبريل أو مايو.
المعسكر الروسي.. حذر وتقدّم جزئي
من الجانب الروسي، أقرّ المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف بوجود بعض التقدم في المحادثات، رغم وصفه للاتصالات مع واشنطن بأنها "معقدة للغاية".
وأشار إلى أن روسيا ملتزمة بمواصلة الحوار، لكنها تصر على ضمان مصالحها الأمنية في أي تسوية مقبلة.
وقال بيسكوف إن أحد مؤشرات التقدم يتمثل في تعليق جزئي للضربات الروسية على منشآت الطاقة الأوكرانية، لكنه اتهم كييف بعدم الالتزام بالمثل، في إشارة إلى هشاشة أي تفاهمات حالية.
عودة أوروبية للمشهد
الاجتماعات التي جرت في باريس بحضور مسؤولين من فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا، إلى جانب وفود أوكرانية وأميركية، مثلت عودةً أوروبية قوية إلى طاولة المفاوضات، بعد أسابيع من التهميش الذي فرضته الجهود الأميركية المنفردة بقيادة المبعوث الخاص ستيف ويتكوف.
مصدر فرنسي وصف المحادثات بأنها "فرصة استراتيجية واعدة"، فيما أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده تسعى لإعادة التوازن إلى الجهود الدبلوماسية، محذرًا من أن تفرد واشنطن وموسكو بالقرار قد يهمّش مصالح الأوروبيين ويضع مستقبل أوكرانيا بيد قوتين فقط.
كما أبدت كييف تحفظها على أداء ويتكوف، إذ اتهمه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بنشر "روايات روسية"، في حين قالت مصادر في حكومته إن التعامل الأميركي أحيانًا يحمل طابع الضغط أو الإملاء.
سلام مشروط ومسارات محفوفة بالعقبات
الرؤية الأميركية للسلام، وفقًا لتقارير CNN وFox News، تتضمن بحث مستقبل المناطق الخمس المتنازع عليها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. وتشير التسريبات إلى أن واشنطن لا تستبعد تقديم تنازلات إقليمية كجزء من صفقة شاملة، وهي نقطة حساسة تثير قلق كييف وحلفائها الأوروبيين.
ورغم الموافقة المبدئية على هدنة محدودة في مارس، شملت منشآت الطاقة والبحر الأسود، فإن استمرار التصعيد الروسي يقوّض فرص التوصل لاتفاق دائم، لا سيما مع مطالب موسكو برفع العقوبات الاقتصادية كشرط للتقدم.
استنتاجات:
واشنطن تلوّح بالخروج: حديث روبيو يعبّر عن اتجاه أميركي لتقليص دور الوساطة ما لم تُظهر الأطراف تجاوبًا سريعًا.
انقسام في الرؤى: تظهر التوترات بين إدارة ترمب وحلفائها الأوروبيين، وداخل المؤسسة السياسية الأوكرانية نفسها، حول طبيعة الحلول المطروحة.
سلام مشروط وليس وشيكًا: حتى مع التصريحات الإيجابية، تبقى الفجوة بين المواقف الروسية والأوكرانية كبيرة، ولا يبدو أن تسوية نهائية قريبة.