اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

أوروبا بين نارين.. واشنطن تفاوض وطهران تلوّح.. ومخاوف من تقارب ترامب مع موسكو

اجتماعات أوروبية أميركية
اجتماعات أوروبية أميركية

في مشهد يعكس تعقيدات التوازنات الجيوسياسية الراهنة، احتضنت باريس اجتماعات حساسة شارك فيها مسؤولون رفيعو المستوى من أوكرانيا، والولايات المتحدة، ودول أوروبية محورية، في محاولة لحلحلة مجموعة من الملفات المتشابكة؛ أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، والملف النووي الإيراني، وتطورات الشرق الأوسط.


الاجتماعات، التي انعقدت الخميس في العاصمة الفرنسية، جمعت وزيري الدفاع والخارجية الأوكرانيين، مع نظرائهم من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. الوفد الأمريكي ضم وزير الخارجية ماركو روبيو، والمبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، في أول تحرّك أمريكي منسق بهذا المستوى في عهد ترامب نحو تسوية الأزمات الكبرى، لكن بلهجة مختلفة تثير قلق الأوروبيين أكثر مما تبعث على الاطمئنان.

مخاطر التقارب الروسي الأمريكي

رئيس مكتب الرئيس الأوكراني، أندريه يرماك، أوضح أن المباحثات تهدف إلى "تأمين أوكرانيا وأوروبا بأكملها"، ما يكشف عن إدراك كييف لتغير قواعد اللعبة مع تنامي مؤشرات التقارب الأمريكي الروسي، خاصة بعد سلسلة الإشارات الدبلوماسية الصادرة عن ترامب تجاه الكرملين، وتردده الواضح في تقديم دعم غير مشروط لأوكرانيا.


وتأتي هذه الاجتماعات في وقت بالغ الحساسية، وسط تزايد الإحباط الأمريكي من استمرار الحرب واستنزافها السياسي والمادي، في حين يواصل ترامب التعبير عن انزعاجه من الحروب الطويلة غير الحاسمة، ملوّحًا باستخدام القوة ضد المنشآت النووية الإيرانية إذا لم تُثمر المفاوضات عن نتائج ملموسة.


من هنا، تبدو الأجندة الأمريكية حافلة بالتناقضات؛ ففي الوقت الذي يسعى فيه روبيو وويتكوف للتوسط من أجل وقف إطلاق النار في أوكرانيا، لا يخفي ترامب ميله للتفاهم مع بوتين، وهو ما تراه كييف تهديداً مباشراً لأمنها، كما يثير ريبة الحلفاء الأوروبيين، الذين يخشون أن تدفع سياسات واشنطن المتقلبة ثمنها أوروبا وحدها.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تصدّر المبادرات الأوروبية لحماية أوكرانيا، استغل الاجتماعات لتجديد الدعوة إلى تقديم ضمانات أمنية لكييف، مع طرح فكرة نشر "قوة طمأنة" على الأراضي الأوكرانية في حال تم التوصل إلى هدنة. هذه المبادرة تعكس قلقًا أوروبيًا متزايدًا من تراجع الالتزام الأمريكي تجاه حلف "الناتو"، واحتمال اضطرار أوروبا لتحمل عبء الدفاع عن حدودها وحدها.

التصعيد مع إيران

في موازاة ذلك، يتواصل التصعيد مع إيران في ملفها النووي، حيث وصل ويتكوف إلى باريس قادماً من سلطنة عمان التي استضافت الجولة الأولى من محادثات سرّية مع الإيرانيين. رغم وصف اللقاء بـ"الإيجابي"، إلا أن الهوة ما تزال واسعة، وترامب لم يتردد في إطلاق تهديدات صريحة بـ"قصف المنشآت النووية الإيرانية" في حال فشل المسار التفاوضي.


الأوروبيون، الذين لم يكونوا على علم بلقاء عمان حتى الإعلان الأمريكي المفاجئ، رأوا في الخطوة تهميشًا لدورهم، رغم أنهم الجهة الوحيدة القادرة قانونيًا على تفعيل آلية "Snapback" لإعادة فرض العقوبات على إيران، كون الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي عام 2018. بريطانيا وفرنسا وألمانيا أبلغت طهران صراحة بنيتها تفعيل هذه الآلية حال فشل المفاوضات بحلول نهاية يونيو، في خطوة تهدف إلى زيادة الضغط الدبلوماسي دون تنسيق فعلي مع واشنطن حتى الآن.


في المقابل، حذّرت طهران من "عواقب وخيمة" في حال تفعيل العقوبات، مهددة بمراجعة عقيدتها النووية بالكامل، ما يفتح الباب أمام تصعيد محتمل قد يتخطى طاولة التفاوض.


تضارب الأولويات

المشهد الراهن يعكس هشاشة التحالفات الغربية، وتضارب الأولويات بين واشنطن وبروكسل. إدارة ترامب تتجه نحو براغماتية قاسية قد تُضعف موقف أوكرانيا وتزيد حدة التوتر مع إيران، بينما تحاول أوروبا الحفاظ على توازن دقيق بين أمنها الإقليمي واستقلالية قرارها الدبلوماسي. السؤال الجوهري الآن: هل يستطيع الغرب التوصل إلى تسويات استراتيجية دون أن يدفع ثمن انقسامه الداخلي؟ أم أن التصعيد في أكثر من جبهة بات حتميًا في ظل هذا التداخل المعقّد للأزمات؟.

موضوعات متعلقة