غضب روسي من خطط دنماركية لإرسال جنود إلى أوكرانيا تحت غطاء التدريب

تشهد الساحة الأوكرانية تطورًا جديدًا ومثيرًا للجدل في خضم الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، بعد إعلان الدنمارك نيتها إرسال جنود غير مسلحين لتدريب القوات الأوكرانية داخل أراضيها. الخطوة التي جاءت على لسان قائد الجيش الدنماركي بيتر بويزن، أثارت رد فعل غاضب من قبل موسكو، التي اعتبرتها استفزازًا مباشرًا وتورطًا أعمق لدولة عضو في حلف الناتو في النزاع.
السفير الروسي في كوبنهاغن
فلاديمير باربين أصدر بيانًا تحذيريًا صريحًا، وصف فيه إرسال المدربين بأنه خطوة تصعيدية تُقحم الدنمارك بشكل مباشر في النزاع. الأهم من ذلك، أنه أشار إلى أن كل المنشآت العسكرية في أوكرانيا – بما فيها تلك الواقعة في غرب البلاد والتي يُفترض أنها آمنة نسبيًا – تُعد أهدافًا مشروعة للجيش الروسي، مما يضع حياة المدربين الدنماركيين على المحك.
وجهة النظر الروسية تنطلق من مبدأ السيادة والردع، فموسكو تعتبر أن أي دعم غربي مباشر، حتى وإن كان تقنيًا أو تدريبيًا، يشكل تهديدًا لأمنها القومي ويضرب محاولات التهدئة أو التوصل لحل سياسي. كما أن هذا الدعم يُفسَّر في الكرملين كإشارة لاستمرار الحرب بالوكالة ضد روسيا من قبل دول الناتو.
الموقف الدنماركي والضبابية السياسية
اللافت أن الحكومة الدنماركية – ممثلة بوزير الدفاع ترويلز لوند بولسن – امتنعت عن التعليق، وأحالت الأمر إلى القيادة العسكرية، ما يعكس إما حذرًا سياسيًا أو رغبة في تجنب ردود فعل داخلية وخارجية. وهذا يفتح المجال لتساؤلات مشروعة: هل الخطوة منسقة مع شركاء الناتو؟ أم أنها مقدمة لإعادة رسم حدود تدخل الحلف في أوكرانيا بشكل تدريجي وتحت غطاء التدريب والمساعدة اللوجستية؟.
دور الناتو وزيارة روته
زيارة الأمين العام لحلف الناتو مارك روته إلى مدينة أوديسا مع الرئيس زيلينسكي جاءت في توقيت حساس. الهجوم الصاروخي الروسي على سومي – الذي أودى بحياة 35 مدنيًا – أضفى طابعًا استعجاليًا على مسألة الدعم الغربي. تعهد روته بتقديم أكثر من 22 مليار دولار كمساعدات أمنية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، وكرر أن "أوكرانيا تستحق السلام الحقيقي"، لكن السلام المقصود هنا لا يعني الاستسلام أو التنازل، بل الدعم العسكري والاقتصادي الذي يسمح لكييف بالصمود والرد.
تحذيرات زيلينسكي وتنامي القلق من المفاوضات
الرئيس الأوكراني أبدى قلقه من مفاوضات وقف إطلاق النار بقيادة الولايات المتحدة، محذرًا من أي تنازلات تتعلق بالأراضي المحتلة. تصريحاته حول أن "لا أحد سوانا يتحدث عن حدود أوكرانيا" تعكس مخاوف حقيقية من وجود ضغوط دولية على كييف للقبول بتسويات غير مقبولة داخليًا، خاصة بعد طرح أفكار لتقاسم أو تجميد النزاع في بعض المناطق.
هجمات روسية متصاعدة
التصعيد الروسي المستمر، سواء في خيرسون أو أوديسا، يظهر بوضوح أن موسكو لا تسعى فقط لتثبيت واقع ميداني، بل تريد إيصال رسالة مزدوجة: للداخل الروسي أن الحرب مستمرة وتحت السيطرة، وللغرب بأن أي دعم ميداني إضافي لأوكرانيا لن يمر دون رد. استخدام الطائرات المسيّرة بكثافة، واستهداف مناطق مدنية، يبرز أن ساحة المعركة أصبحت غير تقليدية وأكثر تعقيدًا، وأن خطوط الفصل بين المقاتل والمدني أصبحت غير واضحة.
مما لا شك فيه أن إرسال الدنمارك جنودًا للتدريب داخل أوكرانيا قد يبدو، من منظور تقني، تحركًا محدودًا، لكنه من الناحية الجيوسياسية خطوة نوعية تعكس تحوّلاً في ديناميكيات دعم الناتو لكييف. هو تمهيد محتمل لتواجد غربي مباشر، وإن كان في صور غير قتالية. الرد الروسي العنيف المحتمل على هذه الخطوة قد يوسع رقعة الصراع ويفتح الباب أمام أخطاء حسابية خطيرة.
الرهان الآن ليس فقط على من يمتلك التفوق العسكري، بل على من يستطيع ضبط إيقاع التصعيد دون تجاوز النقطة التي لا عودة منها.