اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

السلام المؤجل.. تعقيدات الاتفاق الروسي-الأميركي في أوكرانيا بين الواقع السياسي والتوازنات الدولية

الحرب الروسية الأوكرانية
الحرب الروسية الأوكرانية

تشير التصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف حول لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تحول نوعي في الخطاب السياسي المتعلق بالحرب الأوكرانية، إذ أبدى بوتين -بحسب ويتكوف- رغبة في التوصل إلى "سلام دائم"، في لحظة توصف بأنها نادرة في الخطاب الروسي منذ اندلاع الحرب.

غير أن هذا التفاؤل الظاهري يخفي وراءه شبكة معقدة من التحديات الاستراتيجية، أهمها الموقف الروسي من الأقاليم الأوكرانية التي ضمتها منذ عام 2014، وعلى رأسها القرم ودونيتسك ولوغانسك، بالإضافة إلى منطقتين لم يتم الإفصاح عنهما بعد. ويتكوف ألمح إلى أن "خمس مناطق" تشكل مفتاح الاتفاق، وهو ما يتقاطع مع مطالب روسية قديمة بالاعتراف بهذه الأقاليم ضمن حدود روسيا الاتحادية.

محددات الموقف الروسي


وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان أكثر وضوحاً، إذ ربط أي اتفاق سلام بتخلي أوكرانيا عن طموحها في الانضمام إلى الناتو، وسحب قواتها من المناطق الأربع التي ضمتها روسيا. وقد أضاف لافروف بُعداً عاطفياً وأيديولوجياً حين قال إن هذه الأراضي "غالية علينا"، في إشارة إلى البعد القومي والسكاني المرتبط بها، وهو خطاب تقليدي تستخدمه موسكو لتبرير تحركاتها.

التمسك الروسي بهذا الخط الأحمر يقابله شرط غربي أساسي يتمثل في احترام وحدة الأراضي الأوكرانية، ما يجعل التوصل إلى صيغة نهائية للسلام عملية محفوفة بالتعقيدات، خاصة في ظل تمسك الطرفين بمواقف متناقضة جوهرياً.

موقف إدارة ترمب المحتملة


من اللافت أن التحركات الأخيرة يقودها مبعوث يمثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في وقت لا تزال فيه إدارته الحالية بقيادة بايدن تتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه موسكو. ترمب، الذي لطالما وصف الحرب بأنها "قابلة للحل في 24 ساعة"، يكرر تحميل زيلينسكي مسؤولية استمرارها، وهي لهجة تتماشى مع دعواته للانسحاب الأميركي من المواجهة المباشرة مع روسيا.

في هذا السياق، تتقاطع مصالح موسكو السياسية مع خطاب ترمب الانتخابي، حيث يرى الطرفان أن استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا يزيد من تعقيد الحل. ويتكوف صرّح بوضوح أن هناك فرصاً "واعدة" لإعادة تشكيل العلاقات التجارية الأميركية-الروسية في حال التوصل إلى اتفاق، ما يعكس إدراك إدارة ترمب لأهمية البُعد الاقتصادي في كسر الجمود السياسي.

صعوبات متراكمة على طريق الاتفاق


ورغم هذا الانفتاح المبدئي، فإن تصريح لافروف بأن الاتفاق "ليس سهلاً" يعكس حجم الهوة بين الطرفين. موسكو لا تثق في الحلول الغربية، خاصة في ظل تجربتها السابقة مع العقوبات الاقتصادية والانفصال التكنولوجي، وهو ما يفسر رفضها العودة لأي شكل من أشكال الاعتماد على الغرب. في الوقت نفسه، تسعى موسكو إلى فرض "أمر واقع" في الأراضي التي ضمتها، وتنتظر من الغرب القبول به.

دلالات اللحظة الجيوسياسية


المفاوضات تأتي في وقت حساس، قبيل الانتخابات الأميركية المرتقبة، ومع تصاعد الخسائر البشرية في صفوف الأوكرانيين، كما حدث مؤخراً في سومي، حين سقط أكثر من 20 قتيلاً في قصف روسي. هذا الحادث أعاد إشعال الجدل داخل الولايات المتحدة حول فاعلية الاستمرار في دعم كييف، وأعطى دفعة إضافية لخطاب ترمب الذي يرى أن إطالة أمد الحرب تخدم أهداف الناتو لا الشعب الأميركي.

الطريق إلى "سلام دائم" في أوكرانيا يمر عبر شبكة من المصالح المعقدة، تبدأ من الاعتراف الدولي بحدود النفوذ الروسي، ولا تنتهي عند مستقبل علاقات واشنطن مع موسكو. وبينما تسعى إدارة ترمب لإعادة تشكيل العلاقات عبر مدخل اقتصادي وسياسي، تتمسك موسكو بشروطها الأمنية والجيوسياسية.

إن حل النزاع لا يعتمد فقط على اللقاءات الثنائية، بل على مدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات مؤلمة، والاعتراف المتبادل بحدود النفوذ، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل المعطيات الراهنة.

موضوعات متعلقة