تصاعد العنف يهدد اتفاق وقف استهداف منشآت الطاقة بين روسيا وأوكرانيا

في مشهد يعكس هشاشة التفاهمات المؤقتة في الحرب الروسية الأوكرانية، عاد التصعيد الميداني ليضع اتفاق وقف استهداف منشآت الطاقة بين موسكو وكييف على المحك، وذلك بعد هجوم روسي دموي على مدينة سومي الأوكرانية خلّف عشرات القتلى والجرحى، في أعقاب فترة من الهدوء النسبي برعاية أميركية.
ففي تصريحاته اليوم الاثنين، أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن قرار تمديد وقف الضربات على منشآت الطاقة، الذي جرى التوصل إليه بوساطة أميركية في نهاية مارس، سيخضع لتقييم دقيق من الرئيس فلاديمير بوتين، بناء على مدى التزام الجانب الأوكراني ببنود الاتفاق. وأشار إلى احتمال إجراء محادثات مع الجانب الأميركي لتحليل التطورات الميدانية في هذا السياق.
إسقاط 52 طائرة مسيّرة أوكرانية
لكن التصعيد لم يقتصر على التصريحات؛ فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إسقاط 52 طائرة مسيّرة أوكرانية في هجمات ليلية استهدفت مناطق متعددة داخل روسيا، من بينها بريانسك وأوريول وكورسك وتولا، ما يُعد من أكبر الهجمات الجوية منذ توقيع الاتفاق. وفي المقابل، أفاد الجانب الأوكراني بأن هجومًا روسيًا بصاروخين باليستيين على مدينة سومي أسفر عن مقتل 34 مدنيًا وإصابة 117 آخرين، في واحدة من أكثر الضربات دموية منذ بداية مفاوضات التهدئة.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سارع إلى التنديد بالهجوم، داعيًا إلى ردّ دولي صارم تجاه ما وصفه بـ"العدوان الروسي الوحشي"، فيما بثّ مقطعًا مصورًا يظهر حجم الدمار والضحايا المدنيين في شوارع المدينة.
ورغم تعهدات موسكو بعدم استهداف المدنيين، أُحبط المجتمع الدولي من هذا التصعيد. إذ عبّر زعماء أوروبيون عن إدانتهم الشديدة، بينهم المستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الذين وصفوا الهجوم بأنه دليل على عدم جدية روسيا في السعي للسلام.
في السياق نفسه، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بيانًا شديد اللهجة، شدد فيه على أن استهداف المدنيين يشكل خرقًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني، مطالبًا بوقف فوري لتلك الاعتداءات.
اتهامات متبادلة
من جانبها، شددت وزارة الدفاع الروسية على أن الجانب الأوكراني انتهك الاتفاق عبر تنفيذ خمس هجمات على منشآت طاقة داخل الأراضي الروسية يوم السبت، وهو ما تنفيه كييف، معتبرة أن موسكو تستخدم هذه الاتهامات لتبرير تصعيدها العسكري.
التحرك الأميركي جاء هذه المرة بقيادة إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي اتخذت مسارًا مختلفًا عن الإدارة السابقة. فبينما قرر ترامب التراجع عن دور واشنطن القيادي في مجموعة رامشتاين، كثف جهوده الدبلوماسية عبر مبعوثين خاصين لعقد محادثات منفصلة في السعودية مع كل من الجانبين الروسي والأوكراني، في محاولة لتأمين وقف شامل لإطلاق النار.
وفي أول تعليق أميركي على هجوم سومي، وصف وزير الخارجية ماركو روبيو الهجوم بأنه "تذكير مأساوي" بأهمية الجهود الأميركية لإنهاء الحرب. بينما قال المبعوث الرئاسي كيث كيلوج، القائد العسكري السابق، إن ما حدث في سومي "يتجاوز حدود الإنسانية"، مؤكدًا أن الإدارة الأميركية تعمل على الدفع نحو حل نهائي وسلام دائم.
وفي لفتة رمزية، دعا الرئيس زيلينسكي ترامب لزيارة أوكرانيا لرؤية الواقع على الأرض، والتحدث إلى الضحايا مباشرة، في خطوة تعكس محاولات كييف لإبقاء المجتمع الدولي منخرطًا في الأزمة.
ومع تزايد الاتهامات المتبادلة وتدهور الوضع الميداني، تبقى جهود الوساطة معلقة على خيط رفيع، وسط تساؤلات جدية حول قدرة أي اتفاق مؤقت على الصمود في ظل تصعيد ميداني عنيف وانعدام الثقة المتبادل.