روسيا: العودة لحدود 1991 ”مستحيلة”.. وترامب يلوّح بعقوبات جديدة

في موقف يعكس ملامح السياسة الروسية تجاه مستقبل النزاع الأوكراني والعلاقة المتذبذبة مع الولايات المتحدة، أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن تطبيع العلاقات مع واشنطن "أمر واقعي وضروري"، مشيرًا إلى أن عمليات تبادل السجناء الأخيرة بين البلدين تمثل خطوات ملموسة نحو ترسيخ الثقة المتبادلة، رغم عمق الخلافات السياسية والعسكرية بين الجانبين.
خلال مؤتمر صحفي عقده في ألما آتا بكازاخستان عقب اجتماع وزراء خارجية رابطة الدول المستقلة، أشار لافروف إلى أن المبادرة في تنفيذ صفقة تبادل السجناء الأخيرة في أبوظبي جاءت من الطرفين، معتبراً أن التواصل مع فريق إدارة الرئيس الأميركي السابق – والحالي مرشح الرئاسة – دونالد ترامب، كشف عن إدراك أميركي متجدد لأهمية الحوار مع موسكو.
وتمت عملية التبادل بين المواطنة الأميركية-الروسية كسينيا كاريلينا، والروسي أرتور بيتروف، في صفقة توسطت فيها الإمارات، ما اعتُبر دلالة على استعداد محدود لدى الطرفين لاختبار فرص التهدئة عبر قنوات إنسانية.
الشروط الروسية لاستئناف الحركة الجوية
لافروف ربط استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين موسكو وواشنطن برفع العقوبات عن شركة الطيران الروسية "إيروفلوت"، في إشارة إلى أن موسكو ترى أن أي تطبيع حقيقي يجب أن يشمل تفكيك تدريجي لنظام العقوبات الغربية.
في موقف حازم يعكس طبيعة الحسابات الجيوسياسية الروسية، شدد لافروف على أن العودة إلى حدود ما قبل ضم شبه جزيرة القرم (2014) أو مناطق الشرق الأوكراني (2022) "أمر مستحيل"، مشيراً إلى أن إدارة ترامب "تتفهم هذا الواقع"، بل وتتفق – بحسب تعبيره – مع تقييم موسكو بأن توسع حلف الناتو شرقاً كان خطأً استراتيجياً فادحاً.
واتهم لافروف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بـ"كراهية الروس جميعًا"، معتبراً أن القيادة الأوكرانية ترفض الاعتراف بالتغيرات الميدانية والسياسية التي فرضتها الحرب.
تحركات دبلوماسية متزامنة
تزامن موقف لافروف مع زيارة قام بها مبعوث ترامب إلى روسيا للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، في مسعى غير رسمي لإيجاد مخرج تفاوضي ينهي الحرب الدائرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
كما عقدت روسيا والولايات المتحدة جولة محادثات دبلوماسية في إسطنبول لمناقشة تطبيع عمل البعثات الدبلوماسية، حيث وُصفت المحادثات بأنها "بناءة"، رغم استمرار الخلاف حول السياسات الروسية المتعلقة بتقييد تشغيل الموظفين المحليين في البعثات الأجنبية.
وسيط موثوق
من جهتها، عبّرت وزارة الخارجية الإماراتية عن فخرها بالثقة التي منحتها واشنطن وموسكو لها لتكون وسيطاً وموقعاً لعملية تبادل السجناء. ووصفت أبوظبي الخطوة بأنها مساهمة في جهود خفض التوتر، وتعزيز الحوار الدولي، مؤكدة التزامها بدعم الاستقرار الإقليمي والدولي.
رغم أن المواقف الروسية لا تُظهر أي تنازل في الملفات الجوهرية، خصوصاً ملف أوكرانيا وحدود 1991، فإن موسكو تبدو منفتحة على تخفيف حدة المواجهة مع واشنطن ضمن مسارات انتقائية – إنسانية ودبلوماسية – لكنها تشترط رفع القيود الاقتصادية كبادرة حسن نية.
وفي المقابل، تسعى إدارة ترامب، العائدة بقوة إلى المشهد السياسي الأميركي، إلى اختبار فرص لإعادة فتح خطوط التفاوض دون كسر التوازن، مع إبقاء خيار العقوبات مطروحًا في حال تعثر جهود وقف إطلاق النار.
هذه التطورات ترسم مشهداً معقداً عنوانه الأساسي: "لا عودة إلى الوراء، ولكن لا رغبة في التصعيد الكامل".